فرحة النازحين بالعودة إلى محافظتي غزة والشمال لا تقتصر على الدار والأرض، فالتئام شمل العائلات أعاد الروح إليهم
التأم شمل آلاف العائلات الفلسطينية بعد عودتها من جنوب ووسط قطاع غزة إلى محافظتي غزة والشمال، بعد نزوح قسري دام أكثر من 15 شهراً، بفعل حرب الإبادة الجماعية التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، التي حاول فيها تمزيق أوصال غالبية العائلات.
ومنذ صباح الاثنين الماضي، تتوافد آلاف العائلات الفلسطينية النازحة من جنوب القطاع إلى شماله، عبر شارعي الرشيد الساحلي غرباً، سيراً على الأقدام، والمركبات عبر صلاح الدين شرقاً، بعدما أجبروا على ترك منازلهم، في إطار سياسة التهجير القسري التي انتهجها الجيش الإسرائيلي.
ولا تزال شوارع محافظتي غزة والشمال تشهد حركة مرورية نشطة للمركبات والمواطنين، في ظل انتظار آلاف العائلات عودة ذويها. لم يتمالك الفلسطيني يوسف زيدان (31 عاماً) نفسه حين وطأت قدماه مدينة غزة قادماً من دير البلح في المحافظة الوسطى. يقول: "لم أكن أتوقع أن أرى عائلتي بعد هذا الغياب الطويل في ظل أخبار لا تدعو إلى التفاؤل. فكانت العودة مثل حلم بالنسبة إلي". يضيف في حديثه : "لا يمكنني وصف شعوري لحظة احتضان والدي بعد غياب دام أكثر من عام، بسبب حرب الإبادة الجماعية ونزوحنا إلى جنوب القطاع. الشعور الأجمل بالنسبة إليّ كان لقاء عائلتي وإخوتي الذين حرمني الجيش الإسرائيلي من رؤيتهم طوال تلك الفترة". يتابع زيدان: "العودة إلى مسقط رأسي في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة شمالي القطاع تعني ولادة جديدة بالنسبة إليّ، في ظل حالة الإحباط التي كنت أعيشها طوال فترة الحرب".
أما أم أياد داوود (52 عاماً)، التي التقت ابنتها الوحيدة بعد عودتها من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، فتقول: "ما من كلمات تصف السعادة التي انتابتني خلال لقائي ابنتي الوحيدة المتزوجة. كنت أشعر بأنها في الغُربة رغم أن كلينا في قطاع غزة". وتوضح في حديثها أنها أمضت ليلتها الأولى مع ابنتها في منزلها الكائن في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، وقد أرادت تمضية الوقت مع أحفادها.
من جهته، يعرب الفلسطيني حسام مقداد (50 عاماً) عن سعادته البالغة بعودة زوجته وأبنائه السبعة من محافظة خانيونس، جنوبي القطاع، قائلاً: "كنت أخشى على عائلتي من شدة القصف والحرب منذ بدايتها، فاضطررت إلى نقلهم إلى مناطق جنوب القطاع، في ظل مزاعم الجيش الإسرائيلي أنها ستكون مناطق آمنة في ذلك الوقت". ويروي: "لم أكن أتوقع أن تطول الحرب لأكثر من 15 شهراً، لكنّ جرى التوصل إلى وقف إطلاق النار، واجتمعت عائلتي من جديد. شعرت بفرح كبير بعد حالة اليأس التي استمرت طوال تلك الفترة".
أما الفلسطيني عمر العُطل (40 عاماً)، فشعر بالفرح والألم في آن. صحيح أنه التقى ثلاثة من أشقائه في اليوم الأول لعودة النازحين من جنوب القطاع، إلا أنه يفتقد والديه وشقيقته الصغرى الذين ارتقوا شهداء بعد قصف شقة سكنية كانوا قد نزحوا إليها في دير البلح في المحافظة الوسطى. يقول : "كانت سعادتي كبيرة بعودة أشقائي من جنوب القطاع، لأن شمل عائلتي التأم من جديد. لكن هذه الفرحة كانت منقوصة بسبب استشهاد والدَي وشقيقتي. أسأل الله أن يتغمدهم برحمته". يضيف: "العائلة أعادت الأمل فينا من جديد، وقد فقدناه بسبب قسوة الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي على كل محافظات القطاع والتي دمّرت كل مناحي الحياة".
الفلسطيني محمد سعيد (58 عاماً) لم يتمالك نفسه وبكى حين احتضن بناته فور عودته من منطقة الزاويدة في المحافظة الوسطى مساء الثلاثاء الماضي. يقول: "لم أصدق أنني عدت إلى منزلي في شمال غزة. ها أنا أجلس مع بناتي وأحفادي بعد حالة اليأس التي سيطرت عليّ خلال الحرب". ويوضح في حديثه : "حالتي الصحية شهدت تردياً ملحوظاً خلال نزوحي في المحافظة الوسطى، جراء شدة الخوف على بناتي في شمال القطاع من جهة، وكثرة الأخبار التي تثير الإحباط بعدم تمكني من العودة إلى بيتي في مدينة غزة من جهة أخرى". يضيف: "أجمل شيء في حياتي هي لمّة عائلتي وأحفادي. نسأل الله أن تزول الغمة عن شعبنا ولا تعود تلك الأيام الصعبة التي عشناها".
أما أم يوسف حسين (45 عاماً)، فكانت تعد اللحظات وهي تنتظر عودة عائلتها التي نزحت في مخيم النصيرات وسط القطاع. وفور وصول العائلة، بكت وهي تحتضن والدتها وأشقاءها. تقول: "عودة عائلتي من جنوب القطاع كان عيداً بالنسبة إليّ. شعرت بفرحة كبيرة". تضيف في حديثها : "لكن فرحتي كانت منقوصة إذ توفي والدي بسبب تردي حالته الصحية بشكل كبير، ودفن في إحدى المقابر في مكان النزوح. لكنني سأزور قبره".
وتحكي بحرقة: "لم أتمكن من وداع والدي بسبب حاجز نيتساريم الذي نصبه الجيش الإسرائيلي، من أجل تفريق شمل كل العائلات الفلسطينية ومحاولة تهجيرها إلى خارج القطاع، لكن خطته لم تنجح. أتمنى أن تعود لمّة العائلة التي فقدناها طوال أيام الحرب".
أما حنين عايش (35 عاماً) التي التقت بشقيقاتها بعد طول انتظار، فتقول: "عودتي إلى منزلي ولقاء شقيقاتي كانا حلماً بالنسبة إليّ. ولم أكن أتوقع أن يتحول الحلم إلى حقيقة في ظل شراسة الحرب الإسرائيلية ضد القطاع، وعدم وجود أي بصيص أمل بالعودة". تتابع عايش في حديثها : "الجيش الإسرائيلي حرمنا من لمّة العائلة، لكننا الآن عدنا إلى شمال غزة والتأم شمل عائلتنا، وسنعيش أجمل الأوقات في الأيام المقبلة، رغم محاولات الجيش الإسرائيلي قطع أوصالنا وتفريقنا عن بعضنا البعض".
وبدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى توقيعه بين حركة "حماس" وإسرائيل، برعاية مصر والولايات المتحدة وقطر، في 19 يناير/ كانون الثاني الحالي.
ويتضمن الاتفاق ثلاث مراحل، تتضمن المرحلة الأولى ومدتها 42 يوماً، وقف العمليات العسكرية المتبادلة من قبل الطرفين مؤقتاً، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي شرقاً وبعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان إلى منطقة بمحاذاة الحدود في جميع مناطق قطاع غزة، بما في ذلك وادي غزة، والانسحاب إلى مسافة 700 متر قبل الحدود، اعتماداً على خرائط ما قبل 7 أكتوبر 2023، وغيرها من البنود.