Superman.. بطل خارق أكثر إنسانية لعصر ما بعد غزة


Superman.. بطل خارق أكثر إنسانية لعصر ما بعد غزة

في فيلم Superman، الذي يجتاح دور العرض السينمائي في معظم أنحاء العالم حالياً، يعود كل شئ إلى أصله: بداية من عنوان الفيلم، الذي لا يحمل أي عنوان إضافي أو كلمة توضيحية، وكأن هذا هو أول فيلم يُصنع عن الشخصية، وحتى تفاصيل الحبكة التي تخلص للقصص المصورة (الكوميكس) الأصلية، وصولاً إلى شخصية سوبرمان التي تقدم هنا كما تصورها جيري سيجل وجو شوستر، مؤلفا القصص الأولى: نصف إنسان، ونصف إله، أو Alien ، مثالي، محب للخير، يحارب الأشرار ولكنه يفعل ذلك ليمنعهم من إيذاء الناس وليس ليبادل عنفهم بالعنف.

في الحقيقة، وكما تربيت على قراءة المجلات التي تستعرض مغامراته، لم أره يقتل شخصا أبداً!

الحب الأول

في لحظة، وأنا أشاهد الفيلم، أدركت سبب تفضيلي القديم لقصص DC المصورة وأبطالها، أكثر حتى من قصص وأبطال Marvel، بجانب الجماليات البصرية الاستثنائية لمجلات سوبرمان وباتمان، أعتقد أنها أكثر إنسانية، إذ يتسم كل من البطلين الخارقين الأعظم بنبلهما حتى في التعامل مع الأشرار، وعلى مدار القصص الكثيرة التي قرأتها لا أذكر أن أياً منهما قام بقتل إنسان، أو حمل سلاحاً نارياً من الأصل!

وفيما يعتمد سوبرمان على جسده خارق القوة فحسب، يعتمد باتمان على ذكاءه والأدوات القتالية المتطورة مثل السيارة والخطاطيف والحبال. 

سوبرمان "سوبرمان 2025"، بأداء النجم الجديد اللطيف ديفيد كورينسويت يبدو مثل طفل، بالرغم من أنه أقوى كائن على وجه الأرض!

إن ما يدفعه إلى ارتداء عباءة الرجل الخارق هو حب الخير، لا كراهية الشر، الرحمة لا الانتقام، إنه يتألم من رؤية المعاناة البشرية ويسعى إلى تخفيفها وحملها عن الآخرين (حرفياً، إذ غالباً ما يحمل جبلاً أو جسراً أو وحشاً عملاقاً حتى لا يسقط أي منهم فوق طفل أوعجوز أو امرأة). 

في أحد مشاهد الفيلم المبكرة تلومه حبيبته التاريخية لويز لين (ريتشل بروزنان): "أنت تثق بأي شخص، وتعتقد أن كل شخص التقيت به في حياتك جميل".

في المقابل يخبرها بأنه سيذهب لتسليم نفسه إلى الأشرار على أمل انقاذ كلبه "سوبر دوج"، عندما تنتابها الدهشة من أنه يملك كلباً أصلاً يخبرها أنه كلب ابنة عمه "سوبر جيرل"، وأنه ليس حتى كلب جيد، ولكن لإنه لا بد وحيد وحزين الآن في قبضة الأشرار.

إن ما يحركه هو صورة المعاناة والذين يعانون، ولذلك تحدث المعركة الأخيرة في الفيلم على خلفية شعب مقهور يتعرض للغزو والقتل على يد جيش غشيم ومتوحش، في مشاهد تحيل المتفرج غالباً إلى غزة، وربما أوكرانيا أيضاً، ولا غرو أن يثير الفيلم، كما تردد الأخبار، استياء إسرائيليين بعد أن أثار استياء أميركيين من أنصار ترمب لاموا عليه "خنوثة بطله"!

طبيعي أن يكره أنصار القوة والعنف الفيلم، وأن يجد فيه أنصار الحق والسلم ضالتهم.. يظل سوبرمان وباتمان هما أصل الأبطال الخارقين، والحب الأول، بالنسبة لي على الأقل.

كون جديد يتحدى مارفل

يحقق الفيلم إيرادات هائلة ومفاجئة، وبهذا النجاح تدشن DC مشروعها المسمى بـ DCU أو DCUniverse أوDCEU الذي تسعى من خلاله إلى إعادة إطلاق أبطالها الخارقين في عالم أو كون متداخل يسكنه كل أبطال وأشرار القصص المصورة (الكوميكس) التي ابتكرتها الشركة، وأن يكون هناك استمرارية وارتباط بين القصص، وذلك كما فعلت Marvel في كونها، ثم كونها المتعدد multiverse.

سوبرمان، كما نعلم، هو أقدم الأبطال الخارقين على الاطلاق، وأشهرهم، منذ أن ظهر لأول مرة في مجلة كوميكس 1938، ثم انفرد بمجلة وحده في العام التالي، ثم في مئات الأعداد ثم المسلسلات والأفلام، وبالرغم من أن شعبيته بين الأجيال الجديدة قد انخفضت أمام شعبية الخارقين الآخرين، الأكثر تعقيداً وعنفاً، إلا أنه يظل، أولاً وأخيراً، سوبرمان، فريداً في نوعه بين كل الخارقين.

يحمل سوبرمان إحالات دينية مسيحية كثيرة، فهو يشبه بني آدم ولكنه ليس آدمياً، وله طبيعتان الأولى بشرية في هيئة الصحفي كلارك كينت، والثانية خارقة في هيئة البطل الجبار، وهو قادم من كوكب آخر لأداء رسالة على الأرض: إنقاذ البشر والتصدي لقوى الشر، وقدرات سوبرمان شبه إلهية، إذ يستطيع الطيران والسفر عبر الكواكب، كما يستطيع الرؤية عن بعد واختراق الحواجز، وبالطبع مقاومة جسده للرصاص والقنابل.إلى آخره، بالرغم من أن لديه نقطة ضعف واحدة هي أنه لا يتحمل إشعاع صخر كوكب "كريبتون" الذي جاء منه، وأعتى أعداء سوبرمان هو ليكس لوثور، الذي يشبه نطق "لوسيفر" أي الشيطان، وهو ملياردير وعالم شبه مجنون يملك ثروات الكوكب ويسعى للسيطرة على العالم، ولا عائق أمامه في تحقيق ذلك سوى سوبرمان. في مقابل سوبرمان "الطبيعي" يقوم لوثور بتخليق سوبرمانات وكائنات مصنعة شريرة، تحيلنا إلى مفهوم متناقض آخر للسوبرمان: الذي تنبأ به نيتشه، وحلم به هتلر. وبالمناسبة يؤدي نيكولاس هولت شخصية ليكس لوثور ببراعة "ثعبانية" كشخص ناعم يتلاعب بالعقول وبالدول والعالم كأنه بالفعل "شيطان".

حبكة مضطربة 

يعود فيلم "سوبرمان" 2025 إلى هذه الأصول الدينية، والحكاية الأصلية للكوميكس، مطعما إياها بخطوط متوازية أخرى من شخصيات DC الأخرى:  جرين لانترن (نيثان فيليون)، "مستر تريفيك" (إيدي جاثهيجي)، سوبرجيرل (مايلي ألكوك) وغيرهم. وبالرغم من أن هذه هي الفكرة الأساسية وراء DCU إلا أنها تحدث حالة من الفوضى وعدم التماسك في سيناريو الفيلم وحبكته، كان يمكن أن تهدم الفيلم، لولا أن الإيقاع والمعارك والممثلين الجذابين مع موسيقى "البانك" والمؤثرات الخاصة، وأفضل ما فيها الكلب كريبتون، تنقذ الفيلم وتبقى المشاهد يقظاً متابعاً ومستمتعاً، ويعود الفضل في ذلك إلى المخرج جيمس جان، صاحب الخبرة الكبيرة في أفلام الخارقين.

رسالة نبيلة

فيما يخص شخصية سوبرمان والحبكة الشخصية الجانبية التي يرويها الفيلم حوله، وهي اتهامه بأن والديه أرسلاه إلى الأرض لتدميرها وليس انقاذها، وشعوره بفقدان الثقة والهدف والهوية، فإن الفيلم يؤكد، وهذه هي الرسالة التي يوجهها لمشاهديه الصغار أنه سواء كان المرء قادماً من أصول نبيلة أو شريرة فالعبرة بالتربية والسلوك الشخصي لا الأصل الذي جاء منه.

يظل سوبرمان أطيب الأبطال الخارقين.. ربما لإنه ليس بشراً.. إنه النقيض التام للمدمر Terminator، ورغم قدرته المطلقة فهو لا يقتل أي شخص في الفيلم، ولحظات البطولة القصوى التي نشاهدها هي التي يقوم فيها بإنقاذ طفلاً أو رجل عجوز أو امرأة أو قطة! وفي أحد المشاهد الطريفة يقوم سوبرمان ورفاقه من "عصابة العدالة" بمواجهة وحش عملاق، وفيما يقومون بقتله يعترض سوبرمان على ذلك، مؤكداً أنه كان ينوي إيداعه في حديقة للحيوان أو ما شابه ذلك، وهو ما يفعله في النهاية حين يرفض قتل لوثور، مرسلاً إياه إلى السجن.. وبالطبع يعني ذلك قصصياً أن المعركة لم تنته وأن لوثور سيهرب ويعود للانتقام مجدداً في الجزء القادم.

يدشن فيلم "سوبرمان" عصراً جديدا لأفلام الكوميكس وأبطالها، ربما لجيل قادم مختلف، يفضل الإنسانية على العنف، والأخلاق على السلاح، والعقل على العضلات.. ولعله يكون بداية نقلة جديدة ومهمة في ثقافتنا الشعبية السائدة.


 

إرسال تعليق

0 تعليقات

تعريف الارتباط

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة.