آخر الاخبار

نتنياهو شنّ حربًا ضدّ إيران ليفرض واقعًا أمام ترامب


 الفكرة الأساسية التي سينطلق منها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في قراره حول انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب التي تشنّها إسرائيل على إيران، أو عدم الانضمام، هي ألّا يكون بحوزة إيران سلاحٌ نووي. وتفيد التقارير بأن ترامب لم يتخذ قرارًا نهائيًا، ويُجري مداولات متواصلة مع مستشاريه، الأمنيين والعسكريين خصوصًا، تتعالى فيها تقديرات حول ما الذي سينجم عن هجوم أميركي في حال نجاحه في توجيه ضربة قاضية للبرنامج النووي الإيراني، أو في حال فشل هجوم كهذا، وما هي المخاطر على الولايات المتحدة ومصالحها حتى في حال نجاح هجومها.


من أجل فهم اتجاه الأمور، ينبغي الاطلاع على تقارير وسائل الإعلام الأميركية، المؤيدة لترامب وكذلك المعارضة له. فللولايات المتحدة تاريخ طويل في الحروب، وخاصة تلك التي شنّتها في العالم العربي والإسلامي، في العقود الأخيرة، مثل الحرب على العراق والحرب على أفغانستان.

بشكل غير مألوف، ترامب لن يتخذ قراره بسبب تأييد ناخبي الحزب الجمهوري لمهاجمة إيران أو معارضة الحزب الديمقراطي للهجوم. فناخبو الحزب الجمهوري، الذين انتخبوا ترامب، منقسمون. ويوجد انقسام أيضًا داخل الحزب الديمقراطي، خصم ترامب.

حسب استطلاع نشرته شبكة "فوكس نيوز"، المؤيدة لترامب، ينظر ناخبو الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى إيران بوصفها خطرًا حقيقيًا. لكنهم منقسمون حيال الحرب التي تشنّها إسرائيل على إيران؛ إذ أيد هذه الحرب 49% من المشاركين في الاستطلاع، وعارضها 46%.

وهناك معسكران داخل الحزب الجمهوري. الأول يؤيد توجه ترامب، "أميركا أولًا"، ويرفض التدخل الأميركي في صراعات في مناطق أخرى من العالم. والمعسكر الثاني يعتبر أن إيران نووية تشكل خطرًا على الولايات المتحدة أيضًا، ويؤيد دعم حلفائها في حروبهم.

تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بعدم شنّ حروب جديدة، وإنما إنهاء الحروب الدائرة. ويقول معارضو الهجوم على إيران إنه إذا قرر ترامب شنّ هجوم كهذا، فإنه يخون تعهده. لكن تقريرًا نشرته "فوكس"، أول من أمس الأربعاء، أشار إلى أن "ما لا يدركه معارضو ترامب هو أن الطريقة الوحيدة للتأثير عليه هي التأثير على ناخبيه. فهو لا يكترث بعدد متابعي منصات التواصل الاجتماعي، الذين قد يكون نصفهم روبوتات تابعة لعمليات إعلامية أجنبية".

وأضاف التقرير أن "الأمر الأخير الذي يدركه ترامب وتثق به قاعدته الشعبية هو أن الولايات المتحدة كانت تفقد وضعها الدولي الراهن في عهد أسلافه، في مجالات التجارة العالمية والحدود والسياسة تجاه الصين، وبالطبع في الشرق الأوسط. وفي جميع هذه الحالات، فهو عازم على عكس هذا الاتجاه".

واعتبر التقرير أن ترامب قتل في نهاية ولايته السابقة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، "وسط هتافات اليسار وبعض مذيعي البودكاست اليمينيين، بأن ذلك سيشعل فتيل الحرب العالمية الثالثة. لكن هذا لم يحدث. كانوا مخطئين، بينما كان ترامب مُصيبًا".

وتابع أن "الرئيس يواجه خيارًا مرة أخرى الآن. إمّا أن يستخدم قنابل أميركية مُخبأة لتوجيه ضربة قاتلة للبرنامج النووي الإيراني، أو أن يسلك نهج جو بايدن، فيتراجع بخجل عن مطالبته بالاستسلام غير المشروط، ويترك إيران تُواصل مسيرتها نحو امتلاك السلاح النووي".

هل سيؤثر نتنياهو على ترامب؟

تشير التقديرات في الحكومة الإسرائيلية إلى أن ترامب سينضم إلى الحرب على إيران، وأن المسألة ليست إذا كان سينضم وإنما متى سيعلن أنه سينضم، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية. ربما هذه ليست تقديرات، وإنما اعتقاد لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بعدما تمكن من إقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، في العام 2018. ويرى كثيرون أن نتنياهو خدع ترامب حينها، لأن البرنامج النووي تطوّر بشكل كبير بعد ذلك، قياسًا بوضعه لدى توقيع الاتفاق، في العام 2015.

ويبذل نتنياهو جهودًا كبيرة جدًا في إقناع ترامب بالانضمام إلى الحرب على إيران، من خلال محادثات هاتفية بوتيرة مرتفعة بينهما، وبإرسال وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس الموساد، دافيد برنياع، إلى واشنطن تحت غطاء "شرح موقف إسرائيل"، ومن خلال ذلك تقديم موقف مناقض لموقف مجتمع الاستخبارات الأميركية الذي يؤكد أن إيران لا تطور برنامجًا نوويًا عسكريًا. لكن إذا قرر ترامب مهاجمة إيران، سيثبت ذلك مدى تأثير نتنياهو عليه.

وأكدت مديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب، تولسي غابارد، خلال شهادتها أمام الكونغرس، في آذار/مارس، على أن "مجتمع الاستخبارات الأميركي يواصل التقييم أن إيران لا تبني سلاحًا نوويًا، وأن المرشد الأعلى خامنئي لم يأذن ببرنامج الأسلحة النووية الذي علقه في العام 2003".

خلال الأشهر الماضية، طالب ترامب نتنياهو بعدم مهاجمة إيران ومنح المفاوضات المباشرة مع إيران فرصة للنجاح. وبعد أن بدأت إسرائيل القصف في إيران، قبيل فجر يوم الجمعة الماضي، أعلن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن الولايات المتحدة لم تقدم أي دعم للهجوم الإسرائيلي، وأنه "لسنا مُشاركين في ضرباتٍ ضد إيران". كذلك يعارض نائب ترامب، جيه دي فانس، هجومًا أميركيًا ضد إيران.

ولم يستجب نتنياهو لمطلب ترامب وسارع إلى شنّ حرب على إيران من أجل فرض واقع، يُلزم الجيش الإسرائيلي والموساد، وكي يضع هذا الواقع أمام ترامب، لعلمه بالمواقف المتناقضة حيال هذه الحرب في الولايات المتحدة. ويعتقد نتنياهو أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن إسرائيل، وأنها ستكون مُلزَمة بالوقوف إلى جانبها.

خلال الأعوام 2009–2012، أوعز نتنياهو مرتين للجيش الإسرائيلي والموساد بالاستعداد لمهاجمة إيران. لكن قادة الأجهزة الأمنية منعوا هجومًا كهذا بالتعاون مع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما. في نهاية العام الماضي، رصدت الاستخبارات الأميركية استعدادات إسرائيلية لمهاجمة إيران. ومنذ تنصيب ترامب، يحاول نتنياهو إقناعه بهجوم مشترك ضد إيران، لكن ترامب كان يرفض ذلك. لذا قرر نتنياهو مهاجمة إيران بشكل مستقل. وفي هذه الحالة يُحظر على قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التحدث علنًا ضد هذا القرار.

نتنياهو لم يُخطط في الأعوام 2009–2012 لشنّ حرب على إيران بشكل مستقل، وإنما حاول دفع الولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران. وقال رئيس أركان الجيش في حينه، غابي أشكنازي، مؤخرًا، إن نتنياهو تعمّد أن يُبلغ الأميركيين بإيعازه بالاستعداد لمهاجمة إيران، من خلال قنوات الاتصال المتواصلة بين الجيش والاستخبارات الإسرائيلية ونظيريهما الأميركيين. لكن ما حدث هو أن إدارة أوباما قررت الدخول في مفاوضات، التي أسفرت عن إبرام الاتفاق النووي في العام 2015، خلافًا لرغبة ومشيئة وسياسة نتنياهو.

وأشار المؤرخ الإسرائيلي، بروفيسور يِحياعام فايتس، في مقال بصحيفة "هآرتس"، أمس، إلى أنه "بالإمكان التأكيد على أن هذه حرب (على إيران) لا ضرورة لها وفتاكة وبلا ترجيح رأي. وتم شنها لأسباب شخصية–سياسية، وليس لأسباب وطنية–أمنية. ونتنياهو اتجه إلى حرب ضد إيران كي يمحو من الذاكرة العامة إخفاق 7 أكتوبر، الذي يرفض تحمّل مسؤوليته. ونتنياهو يقدم نفسه كبريء وخالٍ من الأخطاء، ولذلك من حقه الإعلان عن شنّ حرب أخرى".

وأضاف فايتس أنه "ليس بمقدور نتنياهو إنهاء الحرب ضد إيران، التي قد تكون حرب استنزاف لا نهائية، ستؤدي إلى دمار اقتصادي واجتماعي. وتقاتل إسرائيل في حربين الآن، وهذا وضع من شأنه أن يقود إلى كارثة رهيبة".

لكن ما يحدث الآن هو أن ترامب يبحث بشكل جدي بالمشاركة في حرب إسرائيل على إيران، وإرسال قاذفات "بي–2" الموجودة بحوزة الولايات المتحدة فقط، والمسلحة بقنابل تزن حوالي 14 طنًا، لتدمير المنشأة النووية الموجودة في عمق 100 متر تقريبًا في فوردو، قرب مدينة قُم في جنوب إيران. وانتقل بشكل سريع إلى إصدار منشورات معادية لإيران، لدرجة مطالبتها بـ"الاستسلام غير المشروط" وتفكيك برنامجها النووي، وحتى تهديد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بالقتل.

عواقب مهاجمة منشأة فوردو

قال وزير الأمن الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، أمس، إن "سلاح الجو الإسرائيلي لا يمكنه أن يدمر لوحده منشأة فوردو. والولايات المتحدة فقط بإمكانها تنفيذ ذلك، وبإمكان ترامب فقط أن يأمر بذلك".

في هذه الأثناء، ترددت تقارير تفيد بأن إيران تُجهّز صواريخ لشنّ هجمات على قواعد أميركية ومواقع إستراتيجية في الخليج، وهي أقرب بكثير من الأهداف التي تُحاول إيران استهدافها في إسرائيل، في حال قرر ترامب مهاجمة إيران.

التقديرات تشير إلى أن إيران ستسعى إلى إغلاق مضيق هرمز ومضيق باب المندب، الذي تتعرض فيه السفن لهجمات الحوثيين. ويعبر من مضيق هرمز 20% من نفط العالم، وبإمكان إيران عرقلة التجارة العالمية الصادرة من دول الخليج والواردة إليها، بمهاجمة السفن بالطائرات المسيّرة والألغام والصواريخ. وقد تكون منشآت النفط السعودية وبنيتها التحتية في مرمى النيران الإيرانية، مثلما حدث في هجوم العام 2019، الذي تبنّاه الحوثيون، وأدى إلى خفض إنتاج النفط مؤقتًا بنسبة 50%، بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، أول من أمس.

من شأن ذلك أن يُعرقل الاقتصاد العالمي. وقد تردّ الولايات المتحدة وإسرائيل بقصف صناعة النفط الإيرانية، لكن هذا سيُصعّد عرقلة الاقتصاد العالمي، خاصةً وأنّ معظم النفط الذي تستورده الصين مصدره إيران.

من جانبها، أفادت "نيويورك تايمز" بأن خبراء عسكريين وجيولوجيين يقولون إن مهاجمة منشأة فوردو قابلة للتنفيذ، لكنها تنطوي على مخاطر كثيرة، وبالإمكان التنبؤ ببعضها، وليس بالإمكان التنبؤ ببعضها الآخر. وأفادت الصحيفة بأن ترامب يتريث في اتخاذ القرار بسبب "قائمة طويلة من الأمور التي قد تتعرقل".

وأحد المخاطر المذكورة هو احتمال سقوط طائرة "بي–2" في الأراضي الإيرانية، إلى جانب احتمال عدم نجاح القنابل العملاقة لاختراق التحصينات بوزن 14 طنًا في الوصول إلى منشأة فوردو. فقد قال رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي، إنه "كنت هناك. هذا حوالي كيلومتر تحت سطح الأرض".

ونقلت "التايمز" عن خبراء كثيرين قولهم إنه حتى لو دمّر هجوم أميركي منشأة فوردو، فإن "المخاطر الكبرى ستكون بعد ذلك. ففي الحربين في العراق وأفغانستان، أسقطت الولايات المتحدة النظامين فيهما، لكن قواتها بقيت هناك سنوات بعد ذلك، ودفعت ثمنًا دمويًا بالغًا. وربما الدرس الأهم هو أن المجهول، ذلك المجهول الذي حتى أننا لا نعلم بأننا نجهله، هو الذي من شأنه أن ينقلب علينا".

وحول ذلك كتب السفير الأميركي السابق في إسرائيل، دانييل كرتسر، والعضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، ستيفن موريس، أن "مهاجمة فوردو سيضع الولايات المتحدة في مرمى النيران الإيرانية. وإيران سترد، بشكل مؤكد تقريبًا، بقتل مواطنين أميركيين، والولايات المتحدة سترد. وسريعًا جدًا، ستكون قيادة النظام الإيراني الأهداف الوحيدة التي تبقى أمام واشنطن، وستجد الولايات المتحدة نفسها مجددًا منشغلة بتغيير أنظمة. وهذه مسألة لا يرغب أي أميركي تقريبًا أن يكون ضالعًا فيها".


اخبارنا سوا

موقع اخبارنا سوا هو موقع إخباري عام لجمهور عام وليس متخصص في مجال معين أو فئة معينة، حيث أن الفريق القائم على العمل يقوم بجمع ورصد ومتابعة الأخبار والأحداث الخاصة بجميع المجالات والفئات ويقوم بنشرها كي يستطع إلمام القارئ بكافة المعلومات الممكنة، ونبذل جهودنا دومًا لتقديم مادة صحفية دسمة وسلسة يحبها القارئ ويستفيد منها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم