قطاع غزة بعد استئناف الحرب.. قصف وتهجير وأزمة جوع "غير مسبوقة"
يعيش قطاع غزة، أزمة إنسانية متفاقمة نتيجة للحصار الإسرائيلي الشامل المستمر منذ أكثر من شهرين، والذي أدى إلى نقص حاد في الغذاء والوقود والمساعدات، وسط تحذيرات من "مجاعة وشيكة" وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، بحسب ما أوردته صحيفة "واشنطن بوست".
وينتشر الجوع بشكل واسع في غزة منذ بداية الحرب، لكن إسرائيل فرضت، خلال الشهرين الماضيين، قيوداً صارمة على إدخال الغذاء والمساعدات إلى القطاع، ما دفع "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي" IPC، وهي مبادرة رائدة في رصد أزمات الغذاء عالمياً، إلى التحذير من "مجاعة وشيكة".
ومنذ الثاني من مارس الماضي، لم يشهد القطاع دخول أي مواد غذائية أو وقود أو مساعدات أو سلع تجارية، وذلك عقب انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
وقالت الصحيفة، إن الحصار الإسرائيلي، دفع القطاع إلى أزمة جوع جديدة، حيث نفدت مخزونات المساعدات الإنسانية، وتراجعت المكاسب التي تحققت خلال فترة وقف إطلاق النار القصيرة في وقت سابق من العام الجاري.
وبعد أسابيع من الحصار، الذي وصفته الصحيفة، بأنه "الأطول حتى الآن منذ بداية الحرب"، يشير الفلسطينيون وعمال الإغاثة إلى أن العديد من سكان غزة لا يحصلون سوى على وجبة واحدة يومياً، هذا إن تمكنوا تناول الطعام أصلاً.
ارتفاع الأسعار ونقص الغذاء
وأفادت "واشنطن بوست"، بأن العديد من المواد الأساسية مثل الدقيق والحليب والبيض واللحوم، التي كانت متوفرة خلال فترة وقف إطلاق النار، اختفت من الأسواق.
ومع انقطاع الغاز والوقود، اضطر السكان لاستخدام نيران الحطب البدائية، وفي بعض الحالات، يحرقون النفايات أو البلاستيك لتحضير الأطعمة المعلبة مثل الأرز والفول.
وتسبب هذا الوضع في ارتفاع هائل لأسعار المواد الغذائية المتبقية، إذ أفاد برنامج الأغذية العالمي في تقريره لشهر أبريل الماضي، بارتفاع أسعار بعض السلع مثل البصل والبطاطس بنسبة 1000% مقارنة بما كانت عليه قبل اندلاع الحرب.
وقالت "واشنطن بوست"، إنه حتى لو استطاع سكان غزة تحمل هذه الأسعار، فإن أزمة السيولة في القطاع تجعل الحصول على النقود أمراً بالغ الصعوبة.
وفي حديثه للصحيفة عن معاناته اليومية، قال محمد مرتجى (25 عاماً) من سكان غزة: "نقضي أيامنا بين البحث عن الماء والطعام، وشحن البطاريات لكي نتمكن من الرؤية ليلاً، وانتظار الموت".
وأضاف مرتجى، الذي يعيش في مدينة غزة مع حوالي 40 من أفراد أسرته، أنهم "لا يتناولون سوى وجبة واحدة فقط في اليوم على الأكثر".
سوء تغذية حاد
وكان مدير برنامج الأغذية العالمي، أنطوان رينارد، قال، الأسبوع الماضي، إن مخزون البرنامج من المواد الغذائية المُخصص للمطابخ المجتمعية، التي كانت تقدم وجبات "كحل أخير" لحوالي 420 ألف شخص من أصل 2.2 مليون نسمة في غزة، نفدت.
وأغلق البرنامج 25 مخبزاً كان يديرها في القطاع خلال مارس، بينما نفد مخزون الطرود الغذائية التي كان يوزعها مباشرة على العائلات في منتصف أبريل.
بدورها، قالت منظمة World Central Kitchen، إنها تسعى جاهدة لدعم عائلات غزة بكل الطرق الممكنة.
وأضافت في منشور عبر منصة "إكس: "تعمل فرقنا على إنشاء مواقع توزيع مياه الشرب في مواقع متعددة لضمان توفير مياه شرب آمنة في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية بسبب إغلاق الحدود".
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، بدأت المبادرة، التي تضم أكثر من 50 محللاً من الأمم المتحدة وغيرها، تقييماً جديداً لحالة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد في غزة، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
لكن الفلسطينيين في غزة يشيرون إلى أن الوضع الحالي يبدو قاسياً بشكل خاص، إذ كانوا قد بدأوا بالكاد في إعادة بناء حياتهم خلال فترة وقف إطلاق النار، حين شهدت المساعدات ارتفاعاً بشكل ملحوظ.
نفي إسرائيلي
من جانبها، قالت الخارجية الإسرائيلية في بيان مؤخراً، إن تل أبيب "تراقب الوضع على الأرض، ولا يوجد نقص في المساعدات".
وأضاف المسؤولون الإسرائيليون، أنهم يخططون لإعادة هيكلة نظام توزيع الغذاء والمساعدات الأخرى في القطاع.
وحذرت الأمم المتحدة من أن الوضع في غزة "ربما يكون الأسوأ على الإطلاق"، بسبب الحصار والحرب المستمرة وأوامر الإخلاء التي تسببت في تهجير حوالي 500 ألف شخص منذ 18 مارس الماضي.
وقد صرَّح مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الثلاثاء الماضي، بأن الكارثة الإنسانية في غزة مهددة "بالوصول إلى مستوى غير مسبوق"، ووفقاً لوكالات الإغاثة، فإن حالات سوء التغذية، التي تُشكل خطراً خاصاً على الأطفال، قد باتت آخذة في الارتفاع.
واستأنفت إسرائيل هجومها على غزة في 18 مارس الماضي، بعد انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار كان قد دخل حيز التنفيذ في يناير الماضي، وقالت إنها ستواصل الضغط على حركة "حماس" إلى أن تطلق سراح الرهائن المتبقين في القطاع وعددهم 59، منهم 24 ما زالوا على قيد الحياة.