بينما كانت العائلات في قطاع غزة تحاول العودة إلى حياتها
الطبيعية بعد نحو شهرين من الهدوء النسبي، استفاق أهالي القطاع قبيل موعد سحور، اليوم الثلاثاء، على وقع عشرات الغارات الإسرائيلية والأحزمة النارية المتتالية التي استهدفت مناطق متفرقة، وسط حالة من الصدمة والخوف بعد نحو شهرين من توقف الحرب باتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير/ كانون الثاني المنصرم. لتتكرر أمامهم مشاهد الرعب التي عاشوها منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
تقول الفلسطينية مريم العقاد إنها شعرت وكأن الأرض تهتز من تحت قدميها بمجرد بدء موجة الغارات الإسرائيلية المكثفة، وتقول "لا أستطيع أن أصف كم هو محزن أنني في كل مرة أستعد للعيش بشكل طبيعي، يأتي شيء ليأخذ مني هذه الفرصة". وتوضح العقاد ، أن تجدد القصف على غزة سبقته حالة من الواقع المشوش بفعل حالة الترقب المستمر، والشعور الدائم بالتهديد بتجدد الحرب المدمرة، حيث مارست إسرائيل حربا نفسيا موازية من خلال التضارب المتواصل في الأنباء حول المستقبل القريب.
وتبين العقاد أنها كانت تأمل بأن يستمر اتفاق وقف إطلاق النار الذي لم يتوقف الجيش الإسرائيلي عن اختراقه، رغم صعوبة الأوضاع الإنسانية في غزة وضرورة فرض الهدوء حتى يتمكن الأهالي من بناء ما دمرته آلة الحرب، وتقول "الحياة هنا صعبة للغاية، ووقف إطلاق النار كان أملنا الوحيد لتحقيق القليل من الاستقرار".
وشكّل التصعيد العسكري الإسرائيلي الذي بدأ في ساعات الفجر الأولى صدمة جديدة للسكان الذين كانوا يعيشون حالة من القلق والتوتر في ظل تعطل مفاوضات المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، والقلق من نوايا إسرائيل بعدم الانتقال إليها وتهديداته بالعودة إلى الحرب.
معاناة أهالي غزة تتضاعف مع تجدد العدوان الإسرائيلي
توضح الفلسطينية سمر أبو الكاس ، أنها استيقظت برفقة أطفالها مذعورة، فجر اليوم، على وقع الانفجارات العنيفة والقصف الجنوني في كل الأماكن بشكل متزامن، الأمر الذي خلق حالة من الإرباك والصدمة واليقين بإنهيار اتفاق وقف إطلاق النار "الهش أصلا"، مضيفة "كلما بدأنا في التفكير بأن الأمور ستتحسن، كانت تأتي تصريحات من المسؤولين الإسرائيليين تشير إلى أن الحرب قد تعود في أي لحظة، وهو ما تحقق فعلا، حيث استفقنا على أصوات الرعب والاستغاثات والبكاء وصور الدماء والأشلاء التي أعادتنا بشكل فوري لأجواء الحرب المقيتة".
وتشير أبو الكاس إلى أنإسرائيل تعمدت خلق حالة من الضبابية وأن يبقي الفلسطينيين تحت رحمة التوترات والانتظار والتمني أن ينتهي هذا الكابوس قبل أن يقلب الطاولة وينسف كل الجهود المبذولة لتثبيت وقف إطلاق النار ومعاودة حربه بشكل مباغت.
وسبقت تجدد المجازر الإسرائيلية حالة من الإرباك بفعل غياب التقدم في المفاوضات والحديث المتزايد عن تهديدات إسرائيل بالعودة إلى الحرب إذا لم تتحقق مطالبه الأمنية، وهو الأمر الذي شكل تصعيدا عمّق حالة التوتر داخل القطاع، وأبقى أهلها في واقع مليء بالضغوط السياسية والاجتماعية المتزايدة من هاجس العودة إلى دائرة العنف.
ويشير الفلسطيني أحمد الرفاعي، الذي يعمل في قطاع البناء المتعطل، إلى أن حالة من القلق والتوتر كانت تسيطر عليه خلال الأيام الأخيرة في ظل حالة عدم الإدراك حول مصير الأيام المقبلة، إلى أن فوجئ عند الساعة الثانية فجراً بتجدد القصف والمجازر بشكل عنيف تسبب باستشهاد العشرات بشكل متزامن. ويتابع الرفاعي، : "كنا نأمل بأن تؤدي المفاوضات إلى هدنة طويلة وتحقيق بعض الاستقرار وأن لا نعود للحرب، ولكن الآن مع تعطل هذه المفاوضات واستئناف إسرائيل عدوانه، أصبح الوضع أكثر صعوبة وتعقيدا". وكان الرفاعي يعتقد بأن الأمل في الاستقرار ضعيف حتى قبل بدء الغارات الإسرائيلية، إذ لم يبدُ أنإسرائيل جاده في الانتقال للمرحلة الثانية من المفاوضات، "بل هناك الكثير من التصريحات التي تدل على نيته تجديد الحرب بشكل عنيف".
أما الطالب الجامعي تيسير عمر فيوضح مدى تأثير تجديد إسرائيل حربها التدميرية على مختلف نواحي الحياة، خاصة في ظل إنهاك أهالي قطاع غزة من النقص الشديد في مختلف مقومات الحياة الأساسية، إلى جانب شلل القطاعات الأساسية، وفي مقدمتها الصحة والتعليم.
وخلقت الغارات الإسرائيلية المكثفة والتي بدأت الساعة الثانية فجراً بالتوقيت المحلي وشاركت فيها عشرات الطائرات الحربية حالة من الإرباك والرعب في صفوف الفلسطينيين، جراء نسف إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار والجهود الدولية المبذولة للدخول في مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق. وتزامن التجدد المفاجئ للعدوان الإسرائيلي مع تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع الذي يشهد نقصا حادا في مختلف مقومات الحياة، إذ لم تتمكن طواقم الإسعاف والدفاع المدني من إجلاء العديد من الشهداء والجرحى بفعل نقص الإمكانيات، بينما لم يتم نقل عدد من الشهداء جراء نقص الوقود بسبب إغلاق المعابر ومنع دخول مشتقات البترول.
ووصل إلى مستشفيات قطاع غزة 326 شهيداً نتيجة الاستهدافات والمجازر المتعددة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي منذ ساعات الفجر على القطاع، وفق إعلان صدر عن وزارة الصحة، التي قالت إنه ما زال هناك عدد من الضحايا تحت الركام ويجري العمل على انتشالهم.
وقال الناطق باسم حماس عبد اللطيف القانوع تعليقاً على العدوان في تصريح وزع على وسائل الإعلام إنّ "الجيش الإسرائيلي المجرم وبتنسيق أميركي مسبق يستأنف حرب الإبادة الجماعية ويرتكب عشرات المجازر بحق شعبنا"، موضحاً أنّ "تنسيق إسرائيل المسبق مع الإدارة الأميركية يؤكد شراكتها في حرب الإبادة على شعبنا وتشكيل تغطية لجرائم حربه".
ويعيد القصف الإسرائيلي وتجدد العدوان غزة إلى دائرة العنف والدمار التي يعيشها أهلها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على الرغم من محاولات تثبيت وقف إطلاق النار التي شهدتها الأيام الأخيرة وما بدى من تنازلات قدمها الفلسطينيون للمضي قدماً في الوصول إلى المرحلة الثانية.