آخر المواضيع

منظمات دولية تسخر من إنزال المساعدات لغزة جواً.. فلماذا تسمح بها إسرائيل بينما تعرقلها براً؟

 


التحقت الولايات المتحدة، السبت 2 مارس/آذار 2024، بأربع دول أخرى على الأقل كانت قد لجأت إلى إنزال المساعدات لغزة جواً، في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول.

ولكن المشاركة الأمريكية في إنزال المساعدات لغزة جواً، سلّطت الضوء على الانتقادات لهذه الإنزالات من قِبل الوكالات والمنظمات الدولية، لدرجة وصفها بالمسرحية من قبل البعض، وسط تساؤلات حول سر موافقة إسرائيل على إنزال المساعدات لغزة جواً، بينما ترفض إدخالها براً.

ما أُنزل من مساعدات على غزة لا يعادل حمولة شاحنتين

وقالت القيادة المركزية الأمريكية إن طائرات من طراز "سي 130" تابعة للقوات الجوية الأمريكية، نفَّذت عملية إسقاط جوي بالتعاون مع سلاح الجو الملكي الأردني، بين الساعة الثالثة والخامسة مساء بالتوقيت المحلي، لصناديق مساعدات محملة بأكثر من 38 ألف وجبة طعام، على قطاع غزة المحاصَر. 

وقالت القيادة المركزية إن الصناديق كانت مجهزة بمظلات وأُسقطت فوق ساحل البحر الأبيض المتوسط في القطاع لتيسير "وصول المدنيين إلى المساعدات الضرورية للحياة".


جاء القرار الأمريكي بالمشاركة في عمليات إنزال المساعدات لغزة جواً، بعد مأساة باتت تعرف بـ"مذبحة الطحين" والتي وقعت 29 فبراير/شباط، وتعد "إحدى أشد وقائع الحرب دموية"، إذ "قُتل" أكثر من 100 فلسطيني في دوار النابلسي قرب شارع الرشيد في شمال غزة أثناء احتشاد الأهالي لاستقبال شاحنات مساعدات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية. 

وذكر ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن مسؤولين في المنظمة ممن شاركوا في نقل الأدوية والوقود إلى مستشفى الشفاء (الواقعة في شمال غزة)، الجمعة 1 مارس/آذار، شهدوا بأنهم رأوا بأعينهم "عدداً كبيراً من المصابين بجروح ناجمة عن أعيرة نارية".

إنزال المساعدات لغزة جواً غير مجدية

يقول العاملون في مجال الإغاثة إن إنزال المساعدات لغزة جواً أمر عالي التكلفة وقليل الفاعلية في إيصال المساعدات إلى السكان، وأن كميات المساعدات المنقولة جواً الآن غير كافية لتلبية احتياجات أهالي غزة المحاصَرين، الذين يزيد عددهم على مليوني شخص، الأمر الذي أثار تساؤلات حول سبب اللجوء إلى إسقاط المساعدات لغزة جواً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية. 

ووصف المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الأحد 3 مارس/آذار 2024، عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الغذائية بأنها "غير مجدية.

والمساعدات التي أُسقطت من الجو على القطاع لا تعادل حمولة شاحنتين، حسبما قال المتحدث باسم الدفاع المدني بغزة رائد محمود بصل، لقناة "الجزيرة".

غزة على شفا مجاعة لا مفرّ منها

واشتدت الأحوال على الناس في غزة، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية منذ قرابة 5 أشهر، وقد لجأ الأهالي إلى تناول حبوب العلف التي تأكلها الماشية ونباتات الأرض التي يقتاتون عليها.

وحذّر مسؤولون في الأمم المتحدة، الإثنين 26 فبراير/شباط من أن غزة "مُشرفة على مجاعة لا مفر منها"، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن المجاعة "تتعمّق في قطاع غزة وبشكل أكبر في محافظتي الشمال وغزة، حيث ارتقى حتى الآن 15 طفلاً نتيجة الجوع وسوء التغذية والجفاف"، موضحاً أن ذلك "يهدد حياة أكثر من 700 ألف مواطن فلسطيني يعانون الجوع الشديد".

الأردن هو الذي بدأ بفكرة إنزال المساعدات لغزة جواً 

كان الأردن أول دولة قامت بـ"إنزال المساعدات لغزة جواً" خلال هذه الحرب. إذ قالت القوات الأردنية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، أنها سلَّمت إمدادات طبية ومساعدات طارئة إلى مستشفى ميداني أردني.

خلال الأسبوع الماضي، انضمت مصر والإمارات وفرنسا إلى الأردن وبدأت بإسقاط المساعدات مباشرة للمدنيين في غزة. ثم لحقت بهم الولايات المتحدة بعد إعلان الإدارة الأمريكية يوم الجمعة 1 مارس/آذار أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أذِنَ للقوات الأمريكية في إسقاط المساعدات جواً على غزة، وقد وُصفت هذه الخطوة بأنها إشارة أخرى على الاستياء المتزايد لدى إدارة بايدن من استمرار الخسائر المدنية الناجمة عن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

هكذا يتم تنسيق عملية إنزال المساعدات لغزة جواً مع إسرائيل بعد فحصها أمنياً

شحنت القوات الأردنية، الخميس 29 فبراير/شباط عبوات مغلقة بإحكام تحتوي على وجبات طعام جاهزة، وأدوية، وحفاضات، ومنتجات نظافة نسائية على طائرات شحن من طراز "سي 130 هركليز"، في قاعدة الملك عبد الله الثاني الجوية بالقرب من عمَّان. وأقلعت الطائرات، وعلى متنها صحفيون من صحيفة The Washington Post الأمريكية، وحلَّقت غرباً فوق تل أبيب إلى البحر الأبيض المتوسط، ثم دارت جنوباً نحو غزة.

ينسِّق الأردن عمليات إنزال المساعدات لغزة جواً مع إسرائيل. وتمنح تل أبيب الأردن الإذنَ باستخدام هذا المنفذ لتسيير مهام الإنزال، ونقل المساعدات بأمان، بعد إجراء الفحص (الأمني) للأشخاص -والزوار- على متن هذه الطائرات.

المدنيون لا يتم إطلاعهم على موعد الإنزال إلا قبلها بوقت قليل، ولهذه الأسباب تسقط على الشاطئ 
وتُنسَّق عمليات الإنزال على المستشفيات مع جهات الاتصال الموجودة على الأرض في غزة، وتستقبل هذه الجهات حاويات المعدات الطبية والأدوية والمعدات الغذائية الموجَّهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس". ويمكن لطائرات "سي 130" أن تحمل أربع حاويات إمداد من هذا القبيل في المرة الواحدة.

لا يطلع المدنيون على موعد عمليات الإنزال الجوي للمدنيين إلا قبلها بوقت قليل. وتقسَّم حاويات الإمداد على صناديق صغيرة للوصول إلى عدد أكبر من المدنيين؛ ويمكن لطائرات "سي 130" أن تحمل 16 صندوق مساعدات. وقد أسقطت الطائرات الأردنية المساعدات الأسبوع الماضي من ارتفاع 3 آلاف متر، بمعدل طائرة واحدة كل 30 إلى 60 ثانية. 

ويجري الإنزال على ساحل غزة، لكي يسهل على المدنيين رصد المساعدات بعيداً عن إعاقة المباني لخطوط الرؤية. ومع ذلك، سقطت بعض صناديق المساعدات في البحر، واضطر سكان غزة إلى الإبحار بالزوارق لجمِعها.

لا يمكن إبقاء سكان غزة إحياءً بهذه الطريقة 

عمليات الإنزال الجوي باهظة التكلفة. وقد رفض الجيش الأردني تقديم تفاصيل عن تكلفة إنزال المساعدات، حسبما ورد في تقرير الصحيفة الأمريكية.

لكن فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (الأونروا)، قال إن هذه الطريقة هي "ملاذ أخير، وباهظ التكلفة، لتقديم المساعدة" للناس في غزة.



وتُعد عمليات الإنزال الجوي أنسب الطرق اللوجستية لنقل المساعدات في بعض الحالات -مثل تلبية الاحتياجات العاجلة للمستشفيات- لكن متخصصين في مجال الإغاثة يقولون إن هذه الوسيلة لا يستقيم أن تكون الوسيلة الرئيسية لإطعام سكان غزة الذين يزيد عددهم على مليوني نسمة.

وقال لازاريني، رئيس وكالة الأونروا، "لا أرى أن إسقاط المواد الغذائية جواً على غزة هو الحل المناسب لأوضاع القطاع اليوم"، و"الحل الحقيقي هو أن تفتحوا المعابر وتُدخلوا القوافل والمساعدات الطبية إلى غزة".

أطفال توغلوا في البحر للوصول للمساعدات ومنظمة دولية تصفها بـ"المسرحية"

 أما جانتي سويريبتو، رئيسة منظمة الإغاثة العالمية "أنقذوا الأطفال"، فقالت إن عمليات إنزال المساعدات لغزة جواً ليست إلا "مسرحية"، وحذَّرت من أنها تسهم في تمكين الفوضى على الأرض.

وقالت رئيسة المنظمة الإغاثية لصحيفة The Washington Post: "لا أحد يمكنه أن يحدد حقاً من يحصل عليها [المساعدات] ومن لا يحصل عليها"، و"لا أحد يمكنه أن يسيطر حقاً على مآل الأمر، فهو قد يعرض الناس للخطر"، واستدلت باضطرار بعض الأطفال إلى خوض البحر وتحمل العناء لسحبِ صناديق المساعدات الثقيلة.

 وأشارت جانتي كذلك إلى أنه يصعب تعقب المساعدات بعد إنزالها جواً، وقالت إن بعض عبوات المورفين المخصصة للمستشفيات عُثر عليها في أماكن أخرى، لذا فإن "أنسب الحلول هو فتح المزيد من المعابر، والسماح للشاحنات بالدخول، وتنظيم الأمر، والسماح للأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الدولية بتوزيع المساعدات"، "فهذه أكثر الطرق أماناً وأقربها إلى النجاح في إنجاز الأمر".

الغارديان البريطانية تدعو للضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات براً

في المقابل، قالت صحيفة The Guardian البريطانية في تقرير لها، السبت 2 مارس/آذار، إن "الإنزال الجوي للمساعدات في غزة لن يكون هناك حاجة إليه إذا واجهت إسرائيل ضغوطاً أكبر للسماح بوصول المساعدات" بالطرق العادية.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى تصريح وزير خارجية بريطانيا، ديفيد كاميرون، الذي قال إن مقتل أكثر من 100 فلسطيني في غزة أثناء احتشادهم لاستقبال شاحنات مساعدات يوم الخميس "أمر مروع"، ويقتضي التحقيق ومحاسبة المسؤولين عنه، كما أن تقليل شاحنات المساعدات التي تدخل غزة إلى النصف منذ الشهر الماضي أمر "غير مقبول بتاتاً"، وأن إسرائيل عليها "التزام" يفرض عليها السماح بوصول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

وقالت الصحيفة البريطانية إن كاميرون أخذ يتحدث بعد ذلك عن "مجموعة من العوائق" والعقبات البيروقراطية التي تحول دون إيصال المساعدات إلى غزة، وذلك على الرغم من أنه سردَ هذه العوائق من قبل، وتناولها في جلسة الاستماع التي عُقدت بعيد توليه المنصب أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني في 9 يناير/كانون الثاني.

وأشارت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية البريطاني وغيره من المسؤولين صرحوا مراراً بأنهم اشتكوا إلى المسؤولين الإسرائيليين من هذه العوائق، ولكن واقعة الخميس تبرهن على أن هذه الشكاوى المزعومة لم يكن لها تأثير يذكر في إزالة "العقبات" الإسرائيلية.

ومع ذلك، لم يتحدث كاميرون عن اللجوء إلى عمليات إنزال المساعدات لغزة جواً الجوي، رغم أنه الحل الذي لجأ إليه البيت الأبيض. بل تحدث عن فتح مزيد من المعابر البرية، الأمر الذي تطالب به وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة.

حتى المسؤولون البريطانيون يرون أن هذا استعراض لا يسمن ولا يغني من جوع 

ولفتت الصحيفة البريطانية إلى ذلك لا يعني أن الحكومة تعارض تماماً عمليات الإنزال الجوي، فقد شاركت بريطانيا، بالتعاون مع ملك الأردن، في إسقاط 4 أطنان من الإمدادات إلى مستشفى تل الهوى في مدينة غزة في 21 فبراير/شباط، لكن المسؤولين البريطانيين يقولون في الجلسات الخاصة أن هذا ينبغي أن يكون الملاذ الأخير، وبعضهم يراه "استعراضاً" لا يسمن ولا يغني.

وعزت الصحيفة البريطانية انتقاد بعض المسؤولين لعمليات الإنزال الجوي إلى أن التكاليف المادية والحسابات المالية لاستخدام الطائرات في إسقاط المساعدات عشوائياً على القطاع تجعل الأمر لا معنى له، لا سيما إذا كانت هناك سبل أخرى متاحة، ولا يحتاج اللجوء إليها إلا عزم الغرب على بذل مزيد من رأس المال الدبلوماسي، والضغط على إسرائيل للسماح بفتح هذه السبل.

غزة تحتاج إلى 500 طائرة يومياً والتكلفة 7 أضعاف النقل البري

وقالت الصحيفة البريطانية إن الطائرة الواحدة من طراز "سي 130" تحمل ما يعادل حمولة شاحنة من المساعدات، ويحتاج أهالي غزة إلى نحو 500 شاحنة مساعدات يومياً على الأقل. ويعني ذلك أن الوفاء بالأمر يقتضي احتشاد المجال الجوي لغزة بطائرات النقل الكبيرة، فضلاً عن أن تكلفة التسليم عن طريق الجو تبلغ سبعة أضعاف تكلفة التسليم عن طريق البر.

وقالت ميلاني وارد، الرئيسة التنفيذية لجمعية "العون الطبي للفلسطينيين" البريطانية: "بدلاً من إسقاط صناديق المساعدات من السماء، والمخاطرة بسقوط بعضها في البحر أو خارج غزة، فضلاً عن أن كثيراً من ذوي الحاجة في غزة لن يمكنهم الوصول إليها- يجدر بالولايات المتحدة، وبريطانيا، والدول الأخرى أن تضغط على إسرائيل لفتح جميع المعابر إلى غزة على الفور أمام عمال الإغاثة والمساعدات لمساعدة المحتاجين"، "لأن السبيل الوحيد لكبح المجاعة في غزة هو الوصول الآمن والمفتوح للمساعدات وعمال الإغاثة، ورفع الحصار، والوقف الفوري لإطلاق النار".

لماذا تسمح إسرائيل بإنزال المساعدات لغزة جواً وتعرقلها براً؟

ويرى كريس دويل، مدير مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني، أن "عمليات الإنزال الجوي قليلة الفاعلية وخطيرة، لكن الولايات المتحدة لجأت إليها لأنها لا تستطيع الضغط على إسرائيل لكي تسمح بدخول المساعدات إلى غزة عن طريق البر والشاحنات. إن ذلك برهان على الضعف الشديد، وأن الولايات المتحدة لا عزم لديها على مواجهة إسرائيل".

من جانبه، استعرض الباحث سعيد الحاج في حسابه على فيس بوك ما يراه أسباباً لسماح "إسرائيل" بالإنزالات الجوية بينما تمنع المساعدات البرية، مشيرا إلى أن -الإنزالات تستغلها "إسرائيل" لتظهر نفسها بأنها "تسمح بإدخال المساعدات"، كما أن ‏-الإنزالات تؤشر ضمناً لغياب "جهة موثوقة" في غزة للتعاون معها في توزيع المساعدات، وهذا يشمل حـماس وكذلك الأونروا ، إضافة إلى أن الإنزالات تثير الخلافات بين الفلسطينيين بسبب ندرتها وشدة الحاجة، وقد تتسبب لاحقاً بحالة فوضى واقتتال. 

بينما قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الإنزال الجوي للمساعدات يعد تماهياً مع سياسة إسرائيل  بتعزيز سياسة التجويع، وشراء الوقت لصالح إسرائيل  وتمديد المجاعة لإيقاع أكبر قدر ممكن من الضرر للناس والمواطنين".

تم تحديث الموضوع في

إرسال تعليق

0 تعليقات

تابعنا على وسائل التواصل الاجتماعي

أخر المنشورات

أهم الاخبار

تابعونا على موقعنا اخبارنا سوا