تتصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية بشنّ حربٍ على لبنان، عبر فرض الحلّ العسكري لـ"عودة سكان الشمال إلى ديارهم"، وذلك في وقتٍ لا يزال "الاتفاق السياسي" متعثراً بعد مرور أكثر من مائة يومٍ على المواجهات الدائرة بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، والتي انطلقت غداة عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها "حركة المقاومة الإسلامية" الفلسطينية (حماس) على مواقع للجيش الإسرائيلي في غلاف قطاع غزّة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتشهد الحدود اللبنانية الجنوبية منذ أيامٍ ارتفاعاً في حدّة القصف المتبادل، وتطوراً في العمليات العسكرية، والأسلحة المستخدمة على الجبهة، والمواقع المُستهدَفة، بما يبقي احتمال توسّع المعارك قائماً، خصوصاً بعدما بلغت المواجهات ذروتها عقب اغتيال الجيش الإسرائيلي، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، والقيادي الميداني في "حزب الله" وسام طويل، والردّ من جانب المقاومة في لبنان، باستهداف العمق الإسرائيلي وقواعد استراتيجية حسّاسة بالنسبة إلى العدو.
وقال وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، أمس الخميس، إن هناك تطورات "يمكن أن تنزلق بالأمور نحو الحرب في الشمال" عند الحدود اللبنانية، مضيفاً "إذا تدهورت الأمور في الشمال، سيدفع حزب الله ولبنان ثمناً، وسنتضرّر نحن أيضاً".
هذه التهديدات الإسرائيلية تردّ عليها أوساط نيابية في "حزب الله" بالقول، لـ"العربي الجديد"، إنها "لا تخيفنا، ونحن جاهزون للحرب في أيٍّ وقتٍ، ولدينا بنك أهداف حاضر وموجعٌ جداً للإسرائيلي".
وتقول الأوساط (شريطة عدم ذكر اسمها)، إنّ "العدو يُهدّد منذ اليوم الأول بشنّ حرب على لبنان، ولو كان قادراً على الذهاب بهذا الاتجاه لفعل، فهو مأزوم، ومتضرّر، وخاسر". وتلفت إلى أنّ "حزب الله سبق أن أكد أنه لن ينجرّ إلى الحرب، ولن يحقّق رغبات العدو بأن يكون هو البادئ بالحرب، وكل عملياته العسكرية مدروسة بدقة، والسبب ليس التهديدات الدولية التي تصله، عبر الموفدين الدبلوماسيين، بل المصلحة الوطنية العليا بالدرجة الأولى، والميدان في النهاية سيقول كلمته".
ولم تفلح حتى الساعة الحركة الدبلوماسية المكثفة تجاه لبنان، خصوصاً التي قام بها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، بإيجاد حلٍّ سياسيٍّ ينهي المعارك على الحدود اللبنانية أو يساهم في تهدئة الجبهة، في حين يتمسّك "حزب الله" بأن "لا حديث ولا حلّ ولا وقف للعمليات العسكرية الدائرة على الحدود قبل وقف العدوان الإسرائيلي على غزة"، وهو موقفٌ تبنّاه لبنان رسمياً، بإعلانه على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ما عرّضه لانتقاداتٍ وهجومٍ من قبل معارضي "حزب الله".
عوامل تمنع إسرائيل من شنّ حرب على لبنان
في الإطار، يقول العميد منير شحادة، ومنسّق الحكومة اللبنانية لدى اليونيفيل سابقاً، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك عوامل عدّة تمنع إسرائيل من شنّ حرب على لبنان، أبرزها الجبهة المفتوحة في غزة، والثانية التي فتحتها في الضفة الغربية، ومعرفتها لقدرات "حزب الله" الصاروخية، وأنّ كلّ كيلومتر مربّع في فلسطين المحتلة هو تحت مرمى نيران المقاومة"، مضيفاً: "من دون أن ننسى أن إسرائيل منهكة اقتصادياً، ومتعبة عسكرياً، وتتعرّض الحكومة الإسرائيليه لضغوط كبيرة من جانب أهالي الأسرى للرضوخ لمطالب "حماس" باسترجاع الأسرى وتصفير السجون، وقد تصل إلى مكان ترضخ إليها وتنتهي الحرب على غزة".
ويلفت شحادة إلى أنّ "استهداف "حزب الله" قاعدة ميرون، وقيادة المنطقة الشمالية، جعل إسرائيل على يقين بأنّ المقاومة لديها بنك أهداف استراتيجي جاهز، وقادرة على الوصول إلى القواعد والمواقع الأساسية وإخراجها عن العمل، كما فعلت مع قاعدة ميرون مثلاً، وهي تأتي في المرتبة الخامسة استراتيجياً بحسب التصنيف الإسرائيلي، وكانت الضربة قاسية، وأعمت إسرائيل عن العمليات الجوية التي تديرها هذه القاعدة باتجاه لبنان وشمال فلسطين المحتلة، وصولاً إلى سورية وتركيا وقبرص، وقد اضطرت لإحلال منطادٍ مكانها، علماً أن في إسرائيل قاعدتين من هذا النوع للتحكم والسيطرة الجوية، ميرون شمالاً، ورامون جنوباً".
ويشير شحادة إلى أن "هذه الرسائل التي بعثها "حزب الله"، أتت كردٍّ مدروسٍ ومتناسب مع الضربة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت كموقعٍ، والقيادي في حماس، صالح العاروري، كشخصية اغتيلت في لبنان، دفعت بالقادة الأمنيين الإسرائيليين إلى تقديم النصح لرئيس الحكومة الإسرائيليه ، بنيامين نتنياهو، بعدم الدخول بحربٍ مع "حزب الله"، فهم لا يعرفون ما قد يخبّئه لهم من ضربات في ظلّ بنك الأهداف الموجود لديه، والتي يمكن أن تكون تحت مرماه، مثل مطار بن غوريون المدني، والقواعد العسكرية للطيران، وخزانات الأمونيا في حيفا".
في المقابل، يقول شحادة إن "كل دول الغرب والعالم ليس لها مصلحة بفتح حرب مع لبنان، لما قد تحمله من تداعيات، ومنها قيام حرب إقليمية، بيد أن الشخص الوحيد الذي لديه طموح ومصلحة بفتح الحرب هو نتنياهو، المأزوم قبل وبعد حرب غزة، والذي يمكن أن يهرب إلى الأمام ويفتح الحرب ليتخلص من الضغوط التي يتعرّض لها، خاصة من قبل المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة وغلاف غزة، لكن حتى اللحظة، فإن الأميركيين قادرون على ردعه، من دون أن ننسى أن أميركا بدورها تضررت وصورتها كما سمعة إسرائيل مما يحصل، والرئيس الأميركي جو بايدن أمام انتخابات رئاسية مقبلة".
ويرى شحادة أن "الحل الأفضل لإسرائيل يكون باستقالة نتنياهو، ورمي كل المسؤوليات والإخفاقات عليه وعلى حكومته، أفضل من أن تلقى الخسارة على إسرائيل كدولة، وهي أمام خطر وجودي".
تطوّر المواجهات خلال المائة يوم بين حزب الله وإسرائيل
من جهته، يقول الباحث الاستراتيجي الدكتور علي حمية، لـ"العربي الجديد"، إن "الجبهات تطوّرت منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأصبحنا أمام جبهات مقابل جبهات، وقد باتت المؤشرات المرتبطة بتوسّع الحرب أكبر من تلك المتعلقة بتراجع العمليات الحربية".
ويلفت حمية إلى أن "الجيش الإسرائيلي يحاول قدر المستطاع توسعة الدوائر العسكرية لقواعد الاشتباك، إذ إنه وبعد فشل غاراته ضد غزة، وكذلك عمليات الاجتياح، فإنه يلجأ إلى المرحلة الثالثة، وهي الحرب الأمنية على غزة وتفريع الجبهات، منها الجبهة الأميركية الإسرائيلية ضد لبنان".
ويشير حمية إلى أن "هناك تقسيم أدوار على صعيد الجبهات، لأن الجيش الإسرائيلي يعيش حالة من حالات الصدمة والجنون والانتقام، في حين رأينا حرباً ارتجالية وضياعاً بالاستراتيجية، خصوصاً لناحية الضربات الأميركية على اليمن".
كذلك، يلفت الباحث الاستراتيجي إلى أن "حلف المقاومة جاهز وحاضر، وكما قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فإن الرد بيد الميدان، والحرب ستكون من دون أسقف، وحتى الساعة، فإن رد "حزب الله" غير انتقامي، ويأتي بطريقة استراتيجية مدروسة، تجهيزاً لما ستؤول إليه الحال فيما لو توسعت الحرب ضد لبنان".
ويشير حمية أيضاً إلى أن "المواجهات تطورت كثيراً خلال المائة يوم، والتصعيد يقابله تصعيد، والتطور يقابله تطور، ولكن الأسلحة الضخمة والدقيقة والصواريخ بعيدة المدى لا يزال يحتفظ بها "حزب الله"، في حال اندلعت الحرب، وستُطلق باتجاه منطقة غوش دان (الممتدة من مدينة نتانيا في الشمال وحتى مدينة رحوفوت في الجنوب)، وليس فقط شمال فلسطين المحتلة".
تم تحديث الموضوع في
0 تعليقات