آخر المواضيع

الضيف يخدع “الدولة الأولى في التصدير التكنولوجي”.. والإسرائيليون: أين اختفى نتنياهو؟


  من أجل ذكرى الموتى المقدسة أكتب الأمور كما هي. بلا أي محاولة لتجميلها وبلا رقابة ذاتية. هكذا ينبغي الأمر حين تعجز الكلمات عن وصف المفاجأة والفظاعة. في الصباح الذي فقدت فيه مئات العائلات في إسرائيل أعزاءها وتبكي ما كان ولن يعود.


قبل إجراء الحساب ووصف القصور، ها هي حقيقة واحدة: حماس، منظمة إرهاب أصولية وإجرامية، هي العدو. وحتى الأخطاء الكثيرة التي لا تحتمل ودفعنا عليها ثمناً باهظاً لا يجب أن تغطي هذه الحقيقة. حماس هي العدو، هذه المنظمة حاولت ونجحت في تدمير كل فرصة للسلام وللتسوية أو حتى للتهدئة على مدى عشرات السنين. هي تنظيم يقوم على أساس رغبة التصفية لدولة إسرائيل والقتل الجماعي لمواطنيها.

كان هناك من اعتقدوا أنه يمكن استخدام حماس لغرض الانقسام الفلسطيني الداخلي ولمنع دولة فلسطينية. واعتقد آخرون أنها ستعتدل مع السنين أو تكبح نفسها إذا ما تحسنت الحياة في قطاع غزة. حكومات نتنياهو، حاولت التعايش إلى جانب حماس، مع “جولات” وحرب لا تنتهي. وها هو الأمر الأول الذي اكتشفناه أمس: هذا متعذر. حتى لو وجدت تهدئة وعمال فلسطينيون يعملون في إسرائيل، ستنتظر حماس اللحظة المناسبة كي توقع مذبحة جماعية. العجوز كاتو، رجل روما، كان ينهي كل خطاب له بفريضة: يجب إبادة قرطاجة. أحياناً تصطدم الأمم بعدو مرير لدرجة لا يمكن التعايش إلى جانبه.

لشدة الأسف، انكشفت أمس أمور كثيرة أخرى. اكتشفنا أن سلاح استخباراتنا الذي استثمرت فيه مئات مليارات الشواكل على مدى السنين والذي يعتبر فخر العقل الإسرائيلي والبذرة التي نبتت منها صناعة التكنولوجيا العليا – لم ينجح في توفير الأمر الأكثر أهمية وحرجاً لدولة إسرائيل: الإخطار والتحذير من ضربة استراتيجية. بعد 50 سنة من مفاجئة أكتوبر، بعد الفشل الذريع لشعبة الاستخبارات، ها هو الفشل مرة أخرى.

في حينه، عشية حرب يوم الغفران، دار جدال داخلي؛ طرح الموضوع على حسم القيادة السياسية، في ضوء أنباء عنيدة عن احتمال الحرب. في 2023، بقدر ما هو معروف لنا هذا الصباح، لم يجرِ جدال كهذا على الإطلاق. أمام ساحة بسيطة نسبياً ومكشوفة وقريبة وحرجة مثل قطاع غزة، ظهرت إسرائيل كعمياء تتحسس في الظلام. كيف يمكن الاعتماد على تقديرات الاستخبارات هذا الصباح – بالنسبة لإيران، “حزب الله” وكل ما تبقى – عندما استطاع محمد ضيف، العدو المرير والمعروف، النجاح في خداعهم بل وخداع جهاز الأمن العام؟

بخلاف حرب يوم الغفران، لا يدور الحديث هنا عن خط حدود يقع على طول قناة السويس وهضبة الجولان. هذا قطاع غزة. وبخلاف الحرب إياها، هؤلاء في الأصل مدنيون اضطروا ليقاتلوا، وفي أحيان قريبة وحدهم، في سبيل حياتهم. في حرب 2023 قتل مدنيون، واختطفوا من بيوتهم، واقتيدوا إلى قطاع غزة كشحنة بشرية، مع صور يتمزق لها القلب ما ظننا أنها ستظهر في أي مرة في تاريخ إسرائيل. نساء وأطفال يؤسرون تحت تهديدات السلاح. جثث إسرائيلية محملة على تندرات وتنقل إلى غزة لفرح الجماهير. ذبح أبرياء بسرعة وبحجم لا يشهد له مثيل هنا. احتفالات شريرة وبث حي من بلدات إسرائيلية. في 1973 أدار الجيش الإسرائيلي معارك ضارية في كل نقطة. وهكذا نجا المدنيون. حرب يوم الغفران؟ لا. ما رأيناه أمس كان اعتداء جماعياً، حقيقياً، تجربة أدوات لقتل شعب؛ ليست معركة في مزرعة صينية بل كيشينيف.

في حرب يوم الغفران، كان أساس القصور استخبارياً. وفي 2023 كان هناك قصور ضخم في كل مستوى يمكن التفكير فيه تقريباً. وأساساً في قدرة التنفيذ والقتال لدى جهاز الأمن. ولنفترض أن الاستخبارات تقدر بأن حماس لن تهاجم؛ فهل يعني أن جهاز الأمن الذي نفخر والذي استثمرت فيه أفضل مقدراتنا، أن يترك سكان غلاف غزة في مثل هذا الوضع متروكين لمصيرهم؟ على مدى نحو يوم كامل؟ مدنيات ومدنيون يتصلون، يبكون ويستجدون الصحافيين ويطلبون وصول الجيش الإسرائيلي إليهم، لساعات طويلة؟ يوم رعب؟ يخفون الأطفال بينما يحاول المخربون اقتحام بيوتهم أو حرقها.

 ألا يمكن لهذا الجيش الإسرائيلي العظيم، أحد الجيوش الأقوى في العالم زعماً، ان يصل إلى كل نقطة في إسرائيل يسيطر عليها مخربون في غضون ساعتين – ثلاث ساعات، حتى حين يدور الحديث عن تسلل واسع؟ ربما ليس لحسم فوري في كل معركة، ربما ليس تصفية المخربين، لكن على الأقل مبادرة اشتباك وإدارة نار؟ فضلاً عن الفقدان العظيم لحياة الإنسان، لا يمكن أن لا نفكر كم سيموت من الإسرائيليين لأن أعداءنا الألداء، من طهران وحتى بيروت، لاحظوا ضعفاً واشتمّوا دم إخوتنا وأخواتنا المنتشر.

أمس تحدثت مع رجل ذي تجربة جمة أمنية وعسكرية، كان في صدمة – الكلمة صدمة من سلوك جهاز الأمن والحكومة. “في مثل هذا الوضع، قال، “ننزل كل ما يطلق النار إلى الجنوب. لا نجري تخطيطاً معقداً. هذه حالة طوارئ. نسعى إلى الاشتباك مع المخربين في كل بلدة، وفي كل نقطة. بسرعة. من ناحيتي، فلينزلوا سرية مدفعيين من التدريب في الجولان. فليجلبوا جملة حرس مدني. أي ما نحتاج. ماذا حصل لهم؟ لماذا لم يفهموا بأن الأساس هو استعمال القوة، والإعداد بقوة؟”.

اكتشفنا شيئاً ما آخر: ثمة ثمن للتسيب. الصمت عيب، والحقيقة يجب أن تقال عن الحكومة الأكثر تطرفاً وقومجية في تاريخ دولة إسرائيل. فقد ظهرت ضعيفة وعليلة وفاسدة. أين كان رئيس الوزراء على مدى ساعات طويلة صباح أمس، بل أين كانت الحكومة كلها، التي لا تتميز بالصمت؟ نفتالي بينيت ذهب إلى خدمة الاحتياط أمس وتسلح، ويئير غولان لبس البزة ونزل جنوباً. ولكن ماذا فعل الأبطال العظام من نمط ستروك، وبن غفير، وسموتريتش؟ حتى وزيرة الإعلام لم تنجح حتى في أن تصدر تغريدة معقولة بالإنجليزية.

في 15 أيار تباهى نتنياهو في مقابلة مع قناة الدعاية خاصته بأن “أعدنا الردع”. قبل 15 سنة وعد بإسقاط حكم حماس. كم واسعة هي القطيعة بين تصريحاته المنتفخة أمس وبين واقع سكان غلاف غزة، الذين كانت قراهم ومدنهم و”كيبوتساتهم” مزروعة بالجثث! لعل هذا يرتبط بأن نتنياهو محوط بحكومة أناس همل (في معظمهم)؛ عديمي التجربة الأمنية والإنجازات العملياتية؛ وبأنه يحرص على إجراء اللقاءات الصحافية معه فقط وحصرياً في الشبكات الأجنبية أو مع الصحافيين المتزلفين، الذين لم يسألوه يوماً ما أي سؤال عسير. حكام من هذا النوع ليسوا مغلقي الحس فحسب؛ بل ويقودون إلى أداء سيئ، إلى الفشل والقصور.

ربما كان لحماس أن تشن هجومها حتى بدون الأزمة العميقة داخل إسرائيل. تلك التي بدأت بسبب محاولة نتنياهو وسمحا وروتمن ويريف لفين بإحداث الانقلاب النظامي. لكن ثمة شك بأنها اعتقدت أن إسرائيل على هذا القدر من الضعف لولا المبادرة المصائبية. لقد أخطأت شعبة الاستخبارات “أمان” خطأ جسيماً في تقديرها التكتيكي، لكن ليس في الصورة الكبرى: في نهاية تموز 2013 حُذر رئيس الوزراء في أربع رسائل شاذة بعث بها رئيس شعبة الاستخبارات، من وجود مس حاد في الردع وأن أعداء إسرائيل، إيران وفي الشمال، يلاحظون “نقطة ضعف تاريخية”. هذه القصة رفعها المحلل العسكري لـ “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع، إلى العنوان الرئيس للصحيفة.

عندما تعاظمت قوة إيران، واصل “حزب الله” استعداداته للهجوم وأعدت حماس في قطاع غزة سراً هجمة القتل الجماعي التي قامت بها – عنيت الحكومة أساس بالمسألة الجوهرية التالية: هل سيكون الحريديم أول من يحصلون على الإعفاء من التجنيد أم لفين هو الذي سيحصل على تغيير لجنة تعيين القضاة. في الأدبيات الكلاسيكية كتب: “أولئك الذين تريد الآلهة تدميرهم، يكونون أول من يصبحون مجانين”. لقد قادت حكومة إسرائيل رقصة جنون في الوقت الذي كمن لها خصومها في الظلام. لا شك، في هذه الظروف، أن هناك حاجة إلى إقامة حكومة طوارئ وطنية، مع أناس أكفاء وجديرين، وذوي مواقف مركزية وإنجازات مثبتة. دفعنا ثمناً باهظاً على التسيب والتطرف والانقسام.

 نداف ايال

 يديعوت أحرونوت 9/10/2023

تم تحديث الموضوع في

إرسال تعليق

0 تعليقات

تابعنا على وسائل التواصل الاجتماعي

أخر المنشورات

أهم الاخبار

تابعونا على موقعنا اخبارنا سوا