آخر المواضيع

عام على بدء الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا : حسابات الأرباح والخسائر

عام على  بدء الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا : حسابات الأرباح والخسائر

 نعيش هذه الأيام ذكرى مرور عام على بدء الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا، إذ انطلقت ما أسمته وسائل الإعلام الروسية الرسمية «العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا» في 24 شباط/فبراير 2022 والتي أعلنت أسبابها على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما أعلن نيته «تطهير أوكرانيا من النازيين الجدد». وكان توقع الكرملين أنها ستكون عملية خاطفة لإطاحة حكومة فولوديمير زيلينسكي في كييف، وتشكيل حكومة موالية لموسكو لإغلاق باب مطالبة كييف الانضمام للاتحاد الأوروبي، أو تفكيرها بالانضمام لحلف شمال الأطلسي «الناتو». وقد أشار عدد من الباحثين السياسيين والعسكريين إلى أن حكومة بوتين توقعت أن الفارق في الحجم والقوة والقدرات العسكرية سيجعل من (العملية العسكرية الخاصة) نوعا من الرحلة واستعراض القوة التي يتبجح بها فلاديمير بوتين ليثبت قدرته على الوقوف بوجه خصومه الغربيين متحديا حزم العقوبات التي فرضت على بلاده نتيجة إقدامه على غزو دولة مستقلة.

جرد حساب

قبل الحرب، كانت موسكو تسيطر على حوالي 17000 ميل مربع من أراضي أوكرانيا، مقسمة إلى شبه جزيرة القرم (احتلتها عام 2014) والمناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في دونيتسك ولوهانسك. وبحلول نهاية الأسبوع الرابع من الحرب، سيطرت روسيا على معظم الأراضي التي كسبتها في عمليتها العسكرية، وفي أب/اغسطس كانت روسيا قد سيطرت على أكثر من 50000 ميل مربع، أو ما يعادل 22 في المئة من مساحة أوكرانيا.
ربما كان هدف الكرملين المبكر المتمثل في الاستيلاء بسرعة على كل أوكرانيا طموحًا للغاية، وفقًا لما قاله ماكس بيرغمان، مدير برنامج أوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وقال بيرغمان «الآن ما تحاول روسيا فعله ليس بالضرورة كسب المزيد من الأراضي». وعلى مدى أسابيع كافحت روسيا لتحقيق أي تقدم إقليمي في أوكرانيا، لكن في النهاية انسحبت قواتها من مناطق رئيسية في الشرق والجنوب.
لقد توقع مسؤولون بالإدارة الأمريكية أن تنتهي الحرب في غضون أيام، ولم تتوقع روسيا أن يستمر الصراع طويلًا أيضًا، وكانت تلك «الخطيئة الأصلية» للكرملين، وفقًا لماسون كلارك، كبير المحللين في معهد دراسة الحرب الأمريكي. إذ قال «ما أعاق التقدم الروسي هو أنهم لم يستعدوا للقتال لفترة طويلة». ويُظهر تحليل «واشنطن بوست» للبيانات الصادرة من معهد دراسة الحرب الأمريكي أنه بعد التقدم العدواني في الأسابيع الأولى من الحرب، لم تكسب روسيا أكثر من 1000 ميل مربع في أسبوع منذ نيسان/أبريل.
بعد التقدم السريع في شمال شرق، وشرق، وجنوب أوكرانيا، سيطرت روسيا على أكثر من 50000 ميل مربع في نهاية الأسبوع الرابع من الحرب. وبعد محاولة فاشلة للسيطرة على كييف، سحبت قواتها من شمال أوكرانيا، وتنازلت عن أكثر من 10000 ميل مربع في ذلك الأسبوع. وكافحت القوات الروسية، التي افتقرت للتجهيزات والمقاتلين المدربين تدريبا عاليا، لتحقيق مكاسب إقليمية كبيرة بين أيار/مايو وآب/أغسطس. وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته في منطقة الدونباس في أواخر حزيران/يونيو، إلا أن مكاسبها الأسبوعية في الصيف لم تتجاوز 815 ميلًا مربعًا، أي ضعف مساحة ناشفيل.
تميزت نهاية الصيف بخسائر روسية كبيرة في منطقة خاركيف، بعد أن دفعت الهجمات الأوكرانية المضادة القوات الروسية إلى الشرق. وبعد احتلال خيرسون لما يقرب من تسعة أشهر، سحبت روسيا قواتها من المدينة الجنوبية، وهو ما يمثل نكسة كبيرة لموسكو، إذ استعاد الأوكرانيون منطقة خيرسون بعد انسحاب موسكو في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، ما يمثل أكبر انتصار لأوكرانيا في الحرب حتى الآن وثالث ضربة قاصمة لروسيا، بعد انسحاب قواتها من الشمال في أبريل ثم من خاركيف في أيلول/سبتمبر.

الخسائر البشرية وشركات المرتزقة

تجدر الإشارة إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة عن خسائر طرفي الحرب، بالمقابل كانت التصريحات الروسية والأوكرانية على حد سواء تضخم خسائر العدو وتبالغ في الأرقام التي تعلنها جهات رسمية أو شبه رسمية. إذ قدر ميخايلو بودولاك، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في أوائل كانون الأول/ديسمبر الماضي أن ما يصل إلى 13000 جندي أوكراني قتلوا منذ بدء الحرب. من جانبه، علق رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارك ميلي على الأمر قائلا: إن «كلا الجانبين قد شهدا مقتل أو إصابة حوالي 100 ألف جندي من كل طرف». كما قدر القائد الأعلى للدفاع النرويجي الجنرال إيريك كريستوفرسن خسائر الجانب الأوكراني من القتلى والجرحى بأكثر من 100000.
منذ الأيام الأولى للحرب، تباينت أعداد الخسائر في صفوف الجنود الروس على نطاق واسع – اعتمادًا على المصدر. ورفعت أوكرانيا تقديراتها للجنود الروس الذين قتلوا في الصراع إلى أكثر من 134 ألفا. وقد تم تحديث هذه الأرقام بشكل متكرر في صفحة الفيسبوك الخاصة بهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في البلاد. في أول تحديث لها عن الخسائر البشرية، زعمت روسيا في أواخر ايلول/سبتمبر الماضي أنها تكبدت خسائر بشرية تقدر بـ 5937 عسكريًا روسيًا. بينما قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن هناك «خسائر كبيرة في القوات العسكرية، وهي مأساة كبيرة لنا».
وأكد تقرير صادر عن «Meduza» وهي وسيلة إعلامية روسية مستقلة، وتمثل الفرع الروسي لهيئة الإذاعة البريطانية «BBC» مقتل ما لا يقل عن 10000 جندي روسي حتى 9 كانون الأول/ديسمبر الماضي. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أمريكيين تقديرهم للخسائر الروسية بأنها «تقترب من 200 ألف مقاتل بين قتيل وجريح ومفقود». لكن المحللين في فريق استخبارات الصراع يعتقدون أن الخسائر الروسية قد تكون أقرب إلى 270 ألفًا. بينما يشير تحليل «BBC» الخاص الذي يتابع نعي الروس لوفاة أبنائهم إلى أن العائلات الروسية منذ شباط/فبراير 2022 دفنت ما يصل إلى 33000 جندي. كما عانت روسيا من ارتفاع معدل الخسائر في صفوف كبار الضباط، إذ قتل 13 جنرالا روسيا، وفقا للسلطات الأوكرانية، بينما قدرت وكالة المخابرات الدفاعية الأمريكية الرقم من ثمانية إلى عشرة.
ولتعويض الخسائر الكبيرة في صفوف المقاتلين الروس، وتراجع الروح المعنوية للمقاتلين بعد مرور عام على الحرب، لجأت حكومة بوتين إلى شركات توفير المقاتلين المرتزقة لاستخدامهم في الحرب، إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من أربعين ألفاً من عناصر مجموعة «فاغنر» من المرتزقة يقاتلون في أوكرانيا. وهم يشكلون رأس الحربة في القوات الروسية الضاربة. وأشارت بعض التقارير الصحافية إلى أن أكثر مقاتلي «فاغنر» الحاليين هم من أصحاب السوابق الذين تم إطلاق سراحهم بشكل مشروط في مقابل القتال في أوكرانيا لمدة ستة أشهر على الأقل، يحصلون بعدها على عفو نهائي ومكافآت مالية.
وقد ظهر يفغيني بريغوجين، الرجل المقرب من بوتين أو «طباخه» كما يوصف إعلاميا، وهو صاحب مجموعة «فاغنر» في مقطع فيديو في أيلول/سبتمبر الماضي وهو يتحدث إلى سجناء في باحة سجن روسي ويعدهم بمكاسب القتال في أوكرانيا، وشجع السجناء على الانضمام للقتال قائلاً: «إن المجتمع سوف يحترمكم» وسوف تتحولون إلى «أبطال» وحذرهم من ارتكاب جرائم جديدة مثل الاغتصاب «لا تشربوا الكحول، لا تتعاطوا المخدرات، لا تغتصبوا… كونوا منضبطين وستعودون بعدها إلى الوطن أبطالاً بسجلات نظيفة». ودافع رئيس مجموعة «فاغنر» أخيراً عن فكرة إرسال سجناء للقتال في أوكرانيا، وهاجم منتقديه بقوة داعياً «الذين لا يرغبون في إرسال المدانين إلى القتال، أن يرسلوا أبناءهم إلى الجبهة بدلاً من ذلك».

النتائج

أشار المراقبون والمحللون إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تصريحات من طرفي النزاع حول إمكانية التوجه للتفاوض لتسوية الأزمة. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعرب عن استعداد بلاده للاتفاق مع جميع أطراف النزاع في أوكرانيا على حلول مقبولة، مشيرا إلى أن تلك الأطراف ترفض ذلك. وتسعى روسيا إلى التفاوض على أساس الأمر الواقع حيث أنها تعتبر المناطق التي سيطرت عليها منذ شباط/فبراير الماضي أراض روسية بعد أن ضمتها بشكل رسمي إلى الاتحاد الروسي ولا تتقبل موسكو التراجع عن هذه الخطوة من أجل إقرار السلام.
على الجانب الآخر، تطالب كييف بالانسحاب الكامل للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية حتى التي استولت عليها موسكو عام 2014 مثل شبه جزيرة القرم كشرط مسبق للتفاوض. وفي هذا الإطار، قال دميترو كوليبا وزير الخارجية الأوكراني «لإنهاء الحرب في أوكرانيا، يجب على روسيا سحب قواتها من كامل أراضي أوكرانيا» مشيرا إلى رغبة بلاده في عقد «قمة سلام» بحلول نهاية شباط/فبراير الجاري، ويُفضل أن تكون على منصة الأمم المتحدة بحضور الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش كوسيط محتمل. والنتيجة بقاء الحرب مشتعلة إلى أمد غير معروف.

تابعنا على وسائل التواصل الاجتماعي
تم تحديث الموضوع في

إرسال تعليق

0 تعليقات

تابعنا على وسائل التواصل الاجتماعي

أخر المنشورات

أهم الاخبار

تابعونا على موقعنا اخبارنا سوا