آخر المواضيع

أيتام سوريا: طفولة مؤلمة للغاية على طاولة الاستغلال ومستقبل مجهول المصير


 لعل الأطفال يعتلون المناصب الأعلى تكلفة لأي حرب، لكن المأساة السورية خلفت نزيفا يصعب تضميده خلال عقد أو أكثر، في آلات الموت التي لم تتوقف محركاتها منذ 2011 والتي ينال النظام السوري المسؤولة الأشمل فيها، أدت إلى مضاعفات اجتماعية أساسية ستؤثر على النسيج الاجتماعي السوري لفترات زمنية طويلة، جراء القتل والتهجير وصولا إلى التكلفة الباهظة التي يدفعها أطفال سوريا على العموم وأيتامها على وجه التحديد، فالأطفال هم عماد المستقبل وأمل الحاضر، لكنهم يعيشون تحت ظروف تُوصف بكونها بالغة السوء ومصير مجهول وحاضر مؤلم ومرعب بعد فقدانهم ذويهم واستهدافهم من قبل عدة أطراف لغايات وأهداف غير سليمة، وفي انتظار الحل السياسي لسوريا، يدفع الأيتام فواتير باهظة.

منظمة «اليونيسيف» قدرت مجمل أعداد الأطفال المحتاجين للمساعدة في كافة أرجاء سوريا، وفي البلدان المجاورة بحوالي 5.8 مليون طفل، وأشارت المنظمة الأممية إلى أنها تواصل مع شركائها العمل لحماية الأطفال، ومساعدتهم على التعامل مع آثار النزاع. «ويشمل ذلك تحسين الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدة الأطفال ومقدمي الرعاية على التعافي من الصدمات، فضلا عن إيصال الدعم والخدمات المنقذة للحياة للأطفال الذين يعانون جسديا ونفسيا».

إحصائيات مرعبة

فريق «منسقو الاستجابة» في سوريا، أحصى ما شهدته البلاد منذ عام 2011 ولعل أبرزها، عشرات الآلاف من المدنيين فقدوا حياتهم نتيجة الاستهداف والهجمات من قبل النظام السوري وحلفائه، ومثلهم من المدنيين المفقودين والمغيبين قسراً.
في حين بلغت إحصائية النازحين السوريين داخليا 6.9 مليون نازح، واللاجئون حول العالم 6.6 مليون لاجئ، وعدد النازحين السوريين القاطنين في المخيمات ومراكز الإيواء 1.9 مليون نازح.
كما أحصى الفريق 2.65 مليون طفل خارج العملية التعليمية، فيما تعرضت أكثر من 42 في المئة من مدارس سوريا للتدمير، وما نسبته 68 في المئة من البنى التحتية والمشاريع المدمرة.
كما خلفت الأعوام الماضية أكثر من 1.8 مليون مصاب وأكثر من 232 ألفا من أصحاب الاحتياجات الخاصة، فيما بلغت نسبة الفقر في البلاد 91 في المئة مع تجاوز عتبة 650 مليون دولار خسائر الاقتصاد السوري. فيما يُقدر عدد الأطفال الذين يتمتهم الحرب في سوريا خلال السنوات الخمس الأخيرة وفق هيئة الإغاثة الإنسانية «IHH « بما يزيد عن 600 ألف طفل. والأيتام من الأطفال السوريين، حالهم حال كل الأيتام في العالم؛ يهددهم خطر مهربي البشر، وعصابات تجارة الأعضاء، وشبكات الدعارة، ومنظمات التسول.
مدير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» فضل عبد الغني، رأى من جانبه أن المسبب الأساسي في مآسي التيتم في سوريا هي عمليات القتل خارج نطاق القانون التي شهدتها، حيث يحتل النظام السوري صدارة الجهات المرتكبة للقتل والاعتقال والاختفاء القسري في البلاد.
وهي أحداث أدت وفق تصريحات المصدر الحقوقي لـ«القدس العربي» إلى مضاعفة إحصائيات الأيتام بشكل مرعب، ويمكن حصر مجمل أعداد الأيتام في سوريا منذ 2011 وحتى 2022 ما بين 125 إلى 165 ألف يتيم.
الأرقام الكبيرة لأيتام سوريا، جعلت قسما منهم فرائس وضحايا لعمليات الاستغلال الجنسي، وزجهم في العمالة غير القانونية، إضافة إلى عمليات التزويج القسري لبعض الفتيات اليتيمات، علاوة عن الخطر الكبير الذي يحيق بمستقبل الأطفال الأيتام من خلال التسرب التعليمي، وتوجيههم باتجاه التجنيد والأعمال العسكرية.
كما نوه مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى توجه التنظيمات المتطرفة النشطة في سوريا إلى استغلال الأيتام واستقطابهم ومن ثم تغذيتهم بأفكار غير سليمة مما يؤدي إلى ضياعهم خاصة بسبب انتشار الفقر بشكل كبير.
منوها إلى أن الإشارة إلى التنظيمات المتشددة لا تشمل فقط تنظيم «الدولة» أو «هيئة تحرير الشام» فحسب، بل تتوسع لتطال الميليشيات الشيعية الواردة من خارج الحدود أو النشطة داخليا.
هناك العديد من الانتهاكات الواقعة ضد الأطفال لا تزال تمارس من قبل النظام السوري على مستويات تشكل جرائم ضدَّ الإنسانية مثل الإخفاء القسري، والتعذيب، والتشريد القسري، ويؤكد أن مئات آلاف الأطفال تعرضوا على مدى سنوات لأقسى الظروف اللإنسانية وعاشوا ضمنها، وما زالت الظروف مستمرة لأن أسباب النزاع المتجسدة بشكل أساسي في استمرار بقاء النظام الدكتاتوري الحاكم، واستمرار الفشل الدولي الفظيع في إيجاد حل سياسي منذ عام 2012 حتى الآن، يعني أنَّ أجيالاً أخرى من الأطفال السوريين سوف تلاقي مصيراً أسود مشابهاً.

المجتمع الدولي مُدان

السياسي السوري درويش خليفة، حمل من جانبه المجتمع الدولي ما آلت إليه أوضاع الأطفال في سوريا وخاصة الأيتام، قائلا: «لو تدخل العالم منذ البداية في سوريا ومنعوا النظام السوري وجيشه من قصف واقتحام المدن والبلدات، قتل الرجال، خاصة مع المجازر التي بدأت تظهر مؤخرا ما عدا تلك المجازر التي كان يراها كل سوري أمامه مباشرة».
كما رأى خليفة أن روسيا وإيران تتحمل كل منهما مسؤولية كبيرة تجاه ملف الأيتام في سوريا، جراء خوضهم الحرب ضد الشعب السوري ودعم الأسد وحلوله العسكرية بشكل مباشر، ما جعلهم أطرافا متورطة في ارتكاب الانتهاكات في سوريا خاصة على صعيد الأطفال. وقال: كل تأخر للحل السياسي الشامل في سوريا سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع منسوب الانتهاكات في البلاد، وإحصائيات أعلى وأعلى من الضحايا والأيتام.

طفولة تائهة وظروف قاهرة

قال ممثل اليونيسف في سوريا، بو فيكتور نيلوند: «وُلد حوالي 5 ملايين طفل في سوريا منذ عام 2011 ولم يعرفوا شيئًا سوى الحرب والنزاع. في أجزاء كثيرة من سوريا، ما زالوا يعيشون في خوف من العنف والألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب».
في حين يعتبر الشمال السوري من أكثر المواقع الجغرافية السورية اكتظاظا بالنازحين وكذلك الأيتام جراء عمليات النظام السوري وداعميه من روسيا وإيران، حيث يعيش الكثير من الأطفال الأيتام في مخيمات النزوح بالشمال السوري، ضمن معاناة معيشية في ظل غياب ذويهم وعدم استطاعة أقاربهم رعايتهم وكفالتهم.
وتتعمق مأساة الأطفال الأيتام وفق وكالة «الأناضول» مع غياب المنظمات المختصة بتقديم الخدمات والرعاية اللازمة لهم، ما يجعلهم في مرمى نيران الظروف المعيشية الصعبة، فيما قال الصحافي المهتم بالشؤون الإنسانية في سوريا محمد العبد الله لذات المصدر: أزمة رعاية الأطفال الأيتام تعد واحدة من أكبر المشاكل التي تعيشها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
وأضاف: «الكثير من الأطفال الأيتام يعيشون حياة أقرب إلى التشرد في ظل عجز أقاربهم عن تعويض غياب آبائهم وأمهاتهم. بعض المنظمات تبذل جهوداً كبيرة لكفالة أيتام، لكنها لا تزال محدودة» وتابع المصدر قائلا: «من الصعب جدا شمول الغالبية العظمى من الأطفال الأيتام في سوريا ضمن نظام الكفالة، فهناك عدد كبير منهم تحول إلى مشردين لا يمكن التنبؤ بمستقبلهم».

من شخص معلوم إلى مجهول

إن انتشار ظاهرة اليتم من الظواهر الاجتماعية الطبيعية وفق ما قاله المحامي عضو هيئة القانونيين السوريين عبد الناصر حوشان لـ «القدس العربي» لكنها تنقلب بحسب قراءته للوقائع إلى أزمة ومشكلة في ظل النكبات والكوارث والحروب، حيث يزداد أعداد الأيتام وضياع أنساب البعض وينقلب اليتيم من شخص معلوم النسب إلى شخص مجهوله ويترتب على هذا الوضع عدة أحكام قانونية ومنها النسب والميراث وحق الرعاية.
هذه الظاهرة باتت مشكلة حقيقية وقاسية خلال سنوات الحرب في سوريا فاختلطت أسبابها فكان منها الاعتقال التعسفي الذي ينتهي بالموت أو الاختفاء القسري أو الفقدان أثناء القصف والعمليات الحربية أو حتى أثناء موجات النزوح والتهجير القسري.
كل هذه الأسباب مجتمعة أنتجت أعدادا هائلة من الأيتام، بالإضافة إلى الفقر المدقع وسوء الأوضاع الاقتصادية، الأمر دفع بالبعض إلى التخلي عن أطفالهم ورميهم بالشوارع أو على أبواب المساجد. وهناك سبب آخر وهو العلاقات المحرمة التي تنتهي بالحمل والولادة فيكون مصير المواليد في الشوارع.
اليتم وفق حوشان، له انعكاسات على الحالة النفسية لليتيم إذ إن الشعور بفقدان الأب شعور مؤلم بالإضافة إلى فقدان الراعي والمربي والسند، كل هذه الأمور تؤثر على شخصية اليتيم بالإضافة الى شعوره بالامتنان الدائم لمن يعيله أو من يكفله الأمر الذي يولد لديه عقدة الانكسار التي غالبا ما تؤثر على سلوكه، فإما أن يكون متمردا على المجتمع وأما أن يكون منطويا على نفسه وكلا الحالين يؤثر على مستقبلهم، لذلك يحتاج هؤلاء إلى برامج رعاية وتربوية وتنموية بحيث يشعرون بوجودهم وتمكينهم من الاعتماد على الذات سواء أثناء الدراسة أو أثناء العمل.
وهناك أيضا محنة بقاء كثير من هؤلاء دون نسب ومكتومي القيد وخاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام كونهم لا يستطيعون الوصول إلى دوائر السجل المدني لتسجيلهم أما بسبب الملاحقات الأمنية لأهاليهم أو بسبب فقدان الأوراق الثبوتية المطلوبة لهم.

على حافة الهاوية

حذرت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا من تصاعد العنف وانهيار الاقتصاد ومن كارثة إنسانية. فقد نزح أكثر من نصف السكان الذين كانوا في البلاد قبل الحرب.
وسلّط تقرير صدر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، الضوء على ما قال إنه توثيق لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الأساسية والقانون الإنساني الدولي من قبل أطراف النزاع، بما في ذلك جرائم الحرب وأنماط مستمرة للجرائم ضد الإنسانية، مع ازدياد معاناة السوريين بعد أكثر من 10 أعوام من الصراع.
وقال رئيس اللجنة، باولو بينيرو: «مع أن أجزاء من سوريا لم تعد خاضعة للقتال النشط، يستمر العنف ضد المدنيين في جميع أنحاء البلاد، من القصف في الشمال الغربي والشمال، والشمال الشرقي إلى أعمال القتل المستهدف والاحتجاز غير القانوني والتعذيب».
وأكد أن السكان يعانون من فقر مدقع يصيب السوريين في كل مكان، خاصة منهم النازحون داخليا، وقال بينيرو: «هذه هي الهاوية التي يواجهها الشعب السوري العالق بين الأطراف المتحاربة والذي يتعرض للقمع والاستغلال من قبل الجهات المسلحة في كل مكان».

إرسال تعليق

0 تعليقات

تابعنا على وسائل التواصل الاجتماعي

أخر المنشورات

أهم الاخبار

تابعونا على موقعنا اخبارنا سوا